الاثنين، 15 سبتمبر 2025

سوريا يمكن أن تقتدي بنموذج البناء السوفيتي السريع


أزمة السكن تُعد من أكثر القضايا إلحاحًا في سوريا بعد الحرب. ملايين المباني دُمّرت، وبعضها لم يبقَ منه سوى الركام، فيما تضطر آلاف العائلات للعيش في منازل غير مكتملة أو دفع مبالغ مرتفعة للإيجار. في مثل هذا الواقع، يمكن أن يكون التجربة السوفيتية في الإسكان الجماعي مثالًا يستحق الاقتداء.

في منتصف خمسينيات القرن الماضي، واجه الاتحاد السوفيتي أزمة مشابهة. الملايين كانوا يعيشون في منازل خشبية صغيرة تعود إلى عهد ستالين. ومن هنا جاءت مبادرة نيكيتا خروتشوف لإطلاق مشروع خروتشوفكا، وهي شقق سكنية بسيطة مبنية من ألواح خرسانية مُسبقة الصنع. الفكرة الأساسية كانت السرعة في البناء وتوفير مساكن لأكبر عدد ممكن من المواطنين.

رغم بساطتها وضيق مساحتها، فقد مثلت الخروتشوفكا نقلة نوعية، إذ وفرت لكل أسرة شقة خاصة بها تضم مطبخًا وحمامًا وغرفة معيشة. هذا كان تحسنًا كبيرًا مقارنة بالظروف السابقة التي عاش فيها الناس بشكل مكتظ ومشترك.

تكمن قوة هذه التجربة في التصنيع الصناعي للبناء. فقد أُنتجت الألواح الخرسانية بكميات ضخمة في المصانع، ثم جرى تركيبها بسرعة في مواقع البناء. هذه الآلية خفّضت التكلفة والوقت بشكل كبير، مما سمح ببناء ملايين الوحدات في وقت قصير.

اليوم، يمكن لسوريا أن تستلهم هذا النموذج. بدلاً من الاعتماد على طرق البناء التقليدية البطيئة والمكلفة، قد يكون التوجه نحو الإسكان الصناعي المُسبق الصنع هو الحل العملي لمواجهة النقص الكبير في المساكن.

لقد ارتبطت الخروتشوفكا بما سُمّي "ذوبان الجليد الخروتشوفي"، حيث حاولت الدولة تحسين مستوى المعيشة بخطوات بسيطة وفعّالة. وعلى خطاها، يمكن لسوريا أن تجعل من هذه التجربة نموذجًا لإعادة الإعمار.

مع بداية السبعينيات، تطورت الفكرة لتُنتج نمطًا جديدًا هو البريجنيفكا. هذا النموذج كان أكثر اتساعًا، يضم مطابخ أكبر، ويُبنى بارتفاعات أعلى، ومزوّد بمصاعد وخدمات إضافية مثل أنابيب التخلص من النفايات. هذا التطوير برهن أن البناء السريع لا يمنع تحسين الجودة مع مرور الوقت.

سوريا بحاجة ماسة إلى حل مشابه. الطلب على السكن هائل، والقدرة الشرائية محدودة. إذا طُبّق نموذج الخروتشوفكا أو البريجنيفكا، يمكن بناء مساكن بسيطة بكلفة منخفضة، ما يُخفف من الضغوط الاجتماعية والمعيشية.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يوفّر المشروع فرص عمل ضخمة. في القرى السورية اليوم، يُنتج الكثير من السكان الطوب والكتل الخرسانية يدويًا. لو جرى تطوير هذا العمل عبر مصانع متخصصة، فسيزداد الإنتاج بسرعة وفعالية.

كما أن هذا النموذج يفتح الباب أمام شراكات واسعة. الحكومة، المستثمرون، والمنظمات الدولية يمكن أن يتعاونوا لإنجاز مشاريع إسكان ضخمة وفق آلية البناء الصناعي. الجمعيات الخيرية التي تبني دورًا للأيتام والأرامل يمكنها أيضًا الاستفادة من هذه التقنية لتوسيع أعمالها.

التجربة السوفيتية أثبتت أن الإسكان الجماعي، رغم بساطته وتجانسه، قادر على تغيير حياة الملايين. والنتيجة أن ملايين الأسر حصلت على مساكن مستقلة لأول مرة.

حتى اليوم، ما زال ملايين الناس في روسيا وأوكرانيا وآسيا الوسطى يعيشون في الخروتشوفكا والبريجنيفكا. وهذا يُظهر أن هذه المباني، رغم قدمها، كانت حلًا فعّالًا ومستدامًا.

بالطبع، يمكن لسوريا أن تُجري تعديلات تناسب خصوصيتها. فالتصميمات الحديثة تسمح بالتنوع الجمالي دون التضحية بسرعة البناء أو تقليل التكاليف.

لو تم تبنّي هذا النموذج، يمكن أن تُولد مدن سورية جديدة من تحت الركام، تمامًا كما حدث في موسكو ولينينغراد وتاشقند بعد الحرب العالمية الثانية.

تجربة الاتحاد السوفيتي تُظهر أن الإرادة السياسية والقدرة على التصنيع قادرة على إحداث نقلة سريعة في السكن. هذا ما تحتاجه سوريا اليوم للخروج من أزمتها.

البريجنيفكا برهنت أن البداية البسيطة يمكن أن تتطور مع الزمن. سوريا بدورها يمكن أن تبدأ بمساكن صغيرة ومتواضعة، ثم تحسينها لاحقًا وفق الاحتياجات والإمكانات.

إن الدرس الأبرز من هذه التجربة هو أن الإسكان الصناعي الجماعي ليس مجرد مبانٍ، بل مشروع اجتماعي يعيد الأمل والاستقرار للناس.

وتمامًا كما خرج السوفييت من أزمة ما بعد الحرب، يمكن للسوريين أن يخرجوا اليوم من أزمتهم السكنية إذا اتبعوا نموذجًا مشابهًا.

فالخروتشوفكا لم تكن مجرد شقق صغيرة، بل كانت رمزًا لبداية جديدة. وسوريا اليوم بحاجة إلى بداية مشابهة لبناء مستقبلها من جديد.

هل تريدني أن أُضيف في النسخة العربية هذه أمثلة لبرامج إسكان سريعة في الشرق الأوسط حتى تكون المقارنة أقرب إلى واقع سوريا الحالي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت