الأحد، 14 سبتمبر 2025

سوريا بحاجة إلى صناعة دفاعية في تركيا


تواجه الحكومة السورية معضلة كبيرة في بناء استقلالها الدفاعي. فكل محاولة لإنتاج أسلحة متطورة داخل الأراضي السورية تصبح هدفًا مباشرًا للغارات الجوية الإسرائيلية، التي اعتادت ضرب المنشآت العسكرية منذ سنوات. هذا الواقع يجعل فكرة تأسيس شركة صناعات دفاعية في تركيا، بالاستفادة من خبرات الجاليات السورية هناك، خيارًا إستراتيجيًا ملحًا.

تمتلك تركيا منظومة صناعية دفاعية متقدمة، بدءًا من إنتاج الطائرات المسيّرة وصولًا إلى أنظمة الأسلحة الحديثة. وإذا استطاعت سوريا تأسيس شركة مسجلة قانونيًا في تركيا كشركة خاصة، فإن خطوط الإنتاج ستكون أكثر سلاسة. بل إن إشراك مستثمرين أتراك في جزء من أسهم الشركة سيمنحها شرعية أقوى في السوق وفي القوانين المحلية.

هذا المسار سيخفف أيضًا من مخاطر الاستهداف. فالمصانع الدفاعية داخل سوريا تكاد تكون حتمًا تحت نيران العدو، إلا إذا بُنيت تحت الأرض أو في أماكن شديدة السرية، وهو أمر يتطلب تكاليف باهظة وخبرة عالية. بينما وجود مصانع في تركيا يوفّر حماية أكبر من تلك التهديدات.

إضافة إلى ذلك، فإن العوائد الاقتصادية للشركة ستظل في النهاية لصالح السوريين. إذ يمكن استيراد المنتجات إلى الداخل السوري مع بقاء الأرباح ضمن أيدي المستثمرين السوريين في الخارج. بهذه الطريقة تدور عجلة الصناعة ويستفيد منها الشعب دون أن تتعرض للخطر المباشر.

قصة نجاح أحد الشباب السوريين في تركيا، محمد غازي، تقدّم مثالًا حيًّا على الإمكانات الكامنة. فقد استطاع، كجزء من أطروحته للماجستير، تطوير طائرة مسيّرة للاستطلاع والمراقبة.

ويُظهر الفيديو الخاص بمشروعه كيف عمل غازي على تصميم الطائرة داخل المختبر، ثم قام بتجربتها ميدانيًا. هذه التجربة أثبتت أن قدرات الطلاب السوريين يمكن أن تتحول إلى منتجات عملية تحمل قيمة دفاعية وعلمية.

إن نجاحات من هذا النوع تكشف كيف يمكن للأفكار الأكاديمية أن تتطور إلى مشاريع صناعية حقيقية. وإذا ما لاقت دعمًا ماليًا وتنظيميًا، فقد تتحول إلى لبنة رئيسية في بناء قطاع استراتيجي يرفد الأمن القومي السوري.
الاستثمار في تركيا عبر الجاليات السورية ليس مجرد خطوة دفاعية، بل يحمل بعدًا اقتصاديًا وسياسيًا أيضًا. فتركيا التي استضافت ملايين السوريين يمكن أن تنظر إلى هذه المبادرات باعتبارها تعاونًا مثمرًا يخدم الطرفين.

كما أن وجود خبرات سورية منتشرة في الجامعات ومراكز البحث التركية يوفّر قاعدة بشرية مميزة. هؤلاء الشباب لا يملكون فقط المعرفة التقنية، بل أيضًا القدرة على ربط سوريا بشبكات مهنية دولية تدعم التنافسية.

من زاوية الجغرافيا السياسية، فإن هذه الخطوة تعزّز موقف سوريا. فهي ستمنحها فرصة لامتلاك تقنيات دفاعية متطورة من دون أن تتحمل كلفة التهديد المباشر أو خسارة بنيتها التحتية.

تركيا بدورها ستستفيد من هذا النموذج. فبمشاركة بعض مواطنيها في أسهم الشركات، تنمو صناعتها الوطنية أيضًا، وتزداد قدراتها التصديرية في مجال الدفاع.

لكن التحديات قائمة. فعلى السوريين أن يضمنوا بقاء السيطرة المالية بيد الجالية، وأن يلتزموا بالقوانين التركية بدقة، حتى لا تتعطل هذه المشاريع بمشاكل قانونية أو سياسية.

إن قصة محمد غازي تفتح الباب أمام رؤية أوسع، إذ يمكن أن يلهم نجاحه مئات الطلاب السوريين الآخرين ليقدموا حلولًا تقنية تصب في مصلحة وطنهم.

هذا المشروع سيحمل أيضًا رسالة إلى الداخل السوري مفادها أن المغتربين لم يتخلوا عن أرضهم. بل إن مساهماتهم في الخارج قد تكون حاسمة في دعم إعادة بناء قوة سوريا.

وإذا تحقق هذا النموذج، فإن سوريا لن تظل رهينة الدعم الروسي أو الإيراني. بل ستؤسس مسارًا مستقلًا يتيح لها إعادة بناء قوتها الدفاعية بقرار سيادي.

على المدى الطويل، يمكن للشركة الدفاعية السورية في تركيا أن تتطور لتغطي مجالات أوسع من الطائرات المسيّرة، مثل الرادارات وأنظمة الاتصالات العسكرية والأسلحة الخفيفة. وهذا سيجعل سوريا أكثر قدرة على الاعتماد على نفسها.

فالتجارب العالمية تثبت أن الصناعات الكبرى تبدأ بخطوات صغيرة. وإذا كان شاب سوري قادرًا على تطوير طائرة مسيّرة في مختبر جامعي، فإن شركة مجهزة ستستطيع إنتاج نماذج أكثر تقدمًا وفاعلية.

إن على الحكومة السورية أن تتحلى بالشجاعة السياسية للاستثمار في هذا الخيار. فالجالية في تركيا تملك الكفاءات، والبيئة الصناعية جاهزة، وما تحتاجه فقط هو رؤية واضحة ودعم رسمي.

تأسيس شركة صناعات دفاعية في تركيا سيكون بمثابة إعلان أن سوريا، رغم الحرب والحصار، قادرة على إيجاد حلول مبتكرة. وأن أبناءها في الخارج يستطيعون أن يكونوا جسورًا لنهوضها من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت