آخر المنتجات

في ظهيرة كئيبة، تحت سماء سمسير الغائمة التي تحمل بقايا مطر، جلس طفل يدعى بوتيت سيتوروس مطرقًا. وفي حضنه، كان كتاب إقراء بدأ يتآكل صفحاته يشهد بصمت على الكفاح والأمل. كانت نظرته فارغة، متجهة نحو مبنى المدرسة الذي كان الآن مغلقًا بإحكام بسلسلة حديدية باردة. حتى لافتة مدرسة إبتدائية التي كان من المفترض أن ترمز إلى روح التعلم، كانت ملقاة بلا حول ولا قوة على الأرض، وكأنها تشاركهم الحزن.

لم يكن بوتيت وحيدًا في حزنه. من حوله، وقف رفاقه، زملاء الدراسة الصغار في المدرسة. أطفال صغار بدأوا للتو في التعرف على الخالق من خلال ترتيل آيات القرآن الكريم، كانوا يذرفون الدموع بصمت أمام مدرستهم الواقعة في جالان تانه لابانغ بانغوروران، سمسير. خيم جو من اليأس على المكان الذي كان من المفترض أن يكون مصدرًا للمعرفة والبركة.

الأيدي الصغيرة التي كانت ترتفع عادة بخشوع للدعاء، كانت الآن تمسك بالخواء. وعلى خدودهم البريئة، انهمرت الدموع بلا صوت، تعبر عن خيبة الأمل والفقدان. لم تكن جروحًا جسدية يشعرون بها، بل جرحًا عميقًا في الروح، بسبب الأمل الذي انتُزع منهم ببطء ولكنه مؤلم في تعلم القرآن وتعميق فهمهم لتعاليم الإسلام.

وقع الحدث المفجع يوم الخميس الموافق 10 أبريل 2025. ولكن قبل ذلك بكثير، كان طلاب مدرسة ابن سينا سمسير يعانون من عدم اليقين والصعوبات في سعيهم للمعرفة. منذ بداية شهر رمضان المبارك وحتى 10 أبريل، اضطر 26 طالبًا من روضة الأطفال، و 55 طالبًا من المدرسة الابتدائية، بالإضافة إلى 3 معلمات من الروضة و 12 معلمًا من المدرسة الابتدائية، إلى نقل دروسهم إلى مكتب الشؤون الدينية (KUA) في بانغوروران، وهو حل مؤقت كان بعيدًا عن المثالية.

مدرسة ابن سينا سمسير، وهو مكان كان من المفترض أن يكون بمثابة بيت ثانٍ للأطفال في مقاطعة سمسير لتعلم الحروف العربية والقيم الأخلاقية النبيلة، كانت الآن على وشك فقدان مكانها. منذ منتصف يناير 2025، أبلغ مالك المنزل المستأجر الذي كانت المدرسة تعمل فيه من طرف واحد عن نيته إنهاء عقد الإيجار. ومن المفارقات أن حق الإيجار بموجب الاتفاقية الرسمية المتفق عليها كان لا يزال ساري المفعول حتى فبراير 2026.

عندما رفضت مؤسسة مدرسة ابن سينا سمسير هذا القرار الأحادي الجانب الذي انتهك الاتفاقية بوضوح، بدأت فترة من المعاملة التعسفية. التهديدات والضغوط النفسية ومختلف أشكال الظلم أصبحت جزءًا من الحياة اليومية لأولئك الذين لديهم هدف نبيل واحد فقط: توفير مكان لائق لتعليم الدين للأطفال المسلمين الذين يشكلون أقلية في جزيرة سمسير الجميلة ولكن المليئة بالتحديات.

لم تكن الجهود المبذولة لبناء مبنى خاص بالمدرسة خالية من الكفاح والتضحيات. منذ 5 أكتوبر 2021، قدمت مؤسسة ابن سينا سمسير طلبًا لإصدار ترخيص بناء (IMB) إلى حاكم سمسير. كما قاموا بترتيب شهادة إقامة من رئيس قرية سايت نيهوتا كأحد المتطلبات الإدارية.

لكن الأمل في امتلاك مبنى خاص بالمدرسة تبدد فجأة في 13 أكتوبر 2021. تم رفض طلبهم للحصول على ترخيص البناء دون أسباب واضحة ومقنعة. وكجدار عالٍ جدًا يصعب تسلقه، بدت البيروقراطية وكأنها تسد جميع الطرق أمام أولئك الذين أرادوا فقط بناء مكان مقدس لتعليم أطفال الأمة، وخاصة الشباب المسلمين في سمسير.

ثم بادرت الحكومة الإقليمية في سمسير إلى عقد اجتماع شارك فيه مختلف الأطراف المعنية، من ممثلين عن وزارة الشؤون الدينية إلى شخصيات بارزة في المجتمع المحلي ورؤساء القرى. وفي هذا الاجتماع، تم ترك القرار النهائي بشأن مصير المدرسة لآليات العادات والمعرفة المحلية التي كان يُعتقد أنها ستحل القضية بحكمة.

لكن الشرط الذي طُرح بعد ذلك بدا ثقيلاً ومؤثرًا للغاية. طُلب من مؤسسة مدرسة ابن سينا سمسير زيارة كل ممثل من المجتمع وكل رئيس قرية في منزله. خطوة تم اتخاذها بصبر وأمل كبيرين، لكن ما تم الحصول عليه كان مجرد إلقاء اللوم على الآخرين وموقف من التهرب المتبادل، كما لو لم يكن هناك أحد على استعداد لاتخاذ قرار أو تقديم حل ملموس لمصير أطفال سمسير.

الآن، يقف أمل أطفال سمسير الذين يرغبون في تعلم القرآن وتعميق فهمهم لتعاليم الإسلام على حافة الهاوية. هناك حاجة إلى يد العون من مختلف الأطراف لإنقاذ مدرستهم. لذلك، يُناشد بشدة الحكومة الإقليمية في سمسير اتخاذ إجراءات ملموسة على الفور والبحث عن أفضل حل لمدرسة ابن سينا سمسير.

وبالمثل، يُطلب من حاكم سومطرة الشمالية إيلاء اهتمام خاص لهذه المسألة والمساعدة في إيجاد مخرج عادل ومستدام. يُعتقد أن التعليم هو حق كل طفل في الأمة، دون استثناء.

ولا يُنسى أيضًا التوجه إلى قلب السيد برابوو سوبيانتو، كزعيم يهتم بتعليم أطفال إندونيسيا، للمشاركة في إنقاذ مدرسة ابن سينا سمسير. يُؤمل أن تتم مساعدة المدرسة من خلال برنامج المدرسة الشعبية أو برامج تعليمية بديلة أخرى ذات صلة.

هناك اعتقاد بأن مدرسة ابن سينا سمسير، من خلال تعاون ودعم جميع الأطراف، يمكن أن تقف على قدميها مرة أخرى وتصبح مكانًا آمنًا ومريحًا لأطفال سمسير للتعلم والتطور. يُؤمل أن تتحول دموع أطفال سمسير قريبًا إلى ابتسامة بهيجة ورغبة مشتعلة في التعلم.

يُحث بشدة الحكومة الإقليمية المحلية على اتخاذ إجراءات فورية لإيجاد حل لهذا المشكل. هناك حاجة ماسة إلى المساعدة والدعم حتى يمكن استئناف الأنشطة التعليمية في المدرسة بشكل طبيعي. إن مصير عشرات الطلاب وعشرات المعلمين يقع الآن على عاتق صناع السياسات.

يلعب حاكم سومطرة الشمالية دورًا مهمًا في حل هذه القضية. ومن المتوقع أن يؤدي التدخل على مستوى المقاطعة إلى تسريع عملية إيجاد حل وتوفير مستقبل تعليمي آمن للأطفال في سمسير. وقد يكون الدعم السياسي والمالي مخرجين ممكنين.

يمكن أن يوفر برنامج المدرسة الشعبية أو البرامج التعليمية البديلة الأخرى التي بدأتها الحكومة المركزية أيضًا أملًا في بقاء مدرسة ابن سينا سمسير. إن التضافر بين الحكومات الإقليمية والإقليمية والمركزية أمر ضروري في مثل هذه الحالة.

من المأمول أن يكون لاهتمام وعناية الشخصيات الوطنية مثل السيد برابوو سوبيانتو تأثير إيجابي وتسريع حل مشاكل المدرسة في سمسير. يمكن أن يكون الدعم المعنوي وربما الموارد أيضًا بصيص أمل لبقاء التعليم الديني لأطفال الجزيرة.

يعتمد مستقبل التعليم الديني لعشرات الأطفال في سمسير الآن على الاستجابة السريعة والمناسبة من الحكومات الإقليمية والإقليمية والمركزية. هناك حاجة ماسة إلى قرارات حكيمة تضع مصالح أطفال الأمة في المقام الأول.

يجب ألا تنطفئ روح التعلم لدى أطفال سمسير لمجرد العقبات البيروقراطية والمصالح قصيرة الأجل. هناك حاجة ماسة إلى يد العون والحلول الملموسة من القادة لتحقيق أحلامهم في الحصول على تعليم لائق مرة أخرى.


نيودلهي – أثار إقرار قانون الوقف الجديد في مجلسي الشعب والشيوخ في الهند جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية، بعد أن وصفه زعيم حزب المؤتمر، راهول غاندي، بأنه هجوم مباشر على المسلمين في البلاد وقد يشكل سابقة خطيرة ضد الأقليات الأخرى.

تمت الموافقة على مشروع القانون في مجلس الشيوخ بأغلبية 128 صوتًا مقابل 95 صوتًا معارضًا، وذلك بعد أن تم تمريره سابقًا في مجلس الشعب في أوائل شهر أبريل. تقول الحكومة إن القانون يهدف إلى تنظيم إدارة ممتلكات الوقف، لكن راهول غاندي يرى أن هناك دوافع سياسية خلف هذا القانون تستهدف إقصاء المسلمين.

وقال غاندي في مؤتمر صحفي إن "هذا القانون يشكل اعتداءً على المجتمع المسلم، وقد يستخدم لاحقًا ضد مجتمعات دينية أخرى". وأضاف أن الهند تأسست على مبدأ التنوع، لكن هذا القانون يتعارض مع روح التعددية.

وأكد غاندي أن قانون الوقف قد يكون وسيلة جديدة لتهميش الأقليات، متهماً الحكومة بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) بمحاولة تقويض قيم العلمانية المنصوص عليها في الدستور الهندي. وتعهد بأن حزبه سيواصل الكفاح ضد القانون في البرلمان والمحاكم.

من جهتها، قالت الحكومة إن القانون يهدف إلى منع إساءة استخدام أصول الوقف وتعزيز الشفافية، إلا أن المعارضين يرون أنه أداة سياسية تُستخدم لتقييد الحريات الدينية للمسلمين في الهند.

واتهم راهول غاندي الحكومة باستغلال هذه القضية لتحويل أنظار الرأي العام عن المشكلات الاقتصادية والبطالة، مشيرًا إلى أن سياسة الهوية تُستخدم لزرع الانقسام وكسب الدعم الانتخابي.

وشهدت عدة مدن هندية احتجاجات واسعة من قبل المسلمين ومنظمات المجتمع المدني، مطالبين بإلغاء القانون وفتح باب الحوار مع الجهات المعنية. وعلى الرغم من سلمية العديد من هذه الاحتجاجات، انتشرت قوات الأمن بشكل كثيف تحسبًا لحدوث اضطرابات.

ويرى محللون سياسيون أن هذه القضية قد تتحول إلى نقطة محورية في الانتخابات المقبلة، حيث تأمل المعارضة في كسب دعم شعبي أوسع من خلال تسليط الضوء على التمييز القانوني ضد المسلمين.

ويُنظر إلى قانون الوقف كرمز للصراع بين رؤيتين متباينتين لمستقبل الهند: رؤية التعددية والانفتاح مقابل القومية الدينية. ويحذر مراقبون من أن خطاب الكراهية والانقسام قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين مكونات المجتمع الهندي.

ودعا غاندي الشعب الهندي، وخاصة الشباب، إلى عدم الصمت في وجه الظلم، مؤكدًا أن الدفاع عن القيم الديمقراطية والتعددية مسؤولية جماعية.

وفي حين دخل القانون حيز التنفيذ، يتوقع خبراء القانون تقديم طعون دستورية ضده، وقد تصبح المحكمة العليا ساحة المواجهة النهائية للبت في مدى دستورية هذا القانون.

وحذر قانونيون من أن يتم استخدام القانون مستقبلاً لمصادرة ممتلكات الأوقاف وممارسة الضغط على المجتمعات الدينية الأقلية، ما قد يشكل تهديدًا مباشرًا للحقوق المدنية والدينية لهذه الفئات.

وقال غاندي إن هذا القانون ليس مجرد قضية إسلامية بل قضية عدالة تخص كل المواطنين، مؤكدًا أن حزبه سيواصل الوقوف بجانب المضطهدين والدفاع عن القيم التي قامت عليها الدولة.

وقد تتحول هذه الأزمة إلى اختبار حقيقي للديمقراطية الهندية، وتحدد كيفية تعامل الدولة مع التعددية وحماية الحقوق الدستورية للأقليات.

ومع استمرار الغضب الشعبي، يزداد الضغط على الحكومة لفتح قنوات حوار حقيقية مع ممثلي المجتمع المسلم والأطراف المدنية الأخرى، لإيجاد حل عادل ومتوازن.

ويرى كثيرون أن مستقبل التعايش السلمي في الهند يعتمد على طريقة تعامل الحكومة مع هذه القضية، وما إذا كانت ستختار طريق التصعيد أو التفاهم.

وفي الختام، تبقى العيون شاخصة نحو المحكمة العليا والبرلمان والمجتمع المدني، في انتظار القرار الذي سيحدد مصير قانون الوقف، وانعكاساته على مستقبل الديمقراطية والتنوع في الهند.


باكو – أدلت المتحدثة باسم مجتمع أذربيجان الغربية، أولفيّا زولفيكار، بتصريحات صادمة حول الدمار الواسع الذي طال التراث الثقافي لأذربيجان في أرمينيا. وفي مقابلة حديثة، كشفت زولفيكار أن أكثر من 300 مسجد قد تم تدميرها في أرمينيا خلال القرنين الماضيين، في إطار حملة منهجية تهدف إلى محو آثار وجود الشعب الأذربيجاني.

وبحسب زولفيكار، فإن هذا التدمير لا يُعد مجرد نتيجة جانبية للصراعات، بل يأتي ضمن نمط طويل من القمع ومحاولات محو الهوية العرقية والثقافية للأذربيجانيين في المنطقة. وأشارت إلى أن شعب أذربيجان الغربية قد تعرض لأربع موجات من التهجير الجماعي والإبادة خلال القرن العشرين، ما خلّف جراحاً تاريخية عميقة وصدمة جماعية لا تزال آثارها حاضرة.

ولم تقتصر عمليات التدمير على دور العبادة، بل طالت أيضاً التراث غير المادي الذي يُشكّل جزءاً أساسياً من هوية أذربيجان الثقافية. فتم تدمير الخانات، والجسور التاريخية، والمستوطنات القديمة، بالإضافة إلى أكثر من 500 مقبرة تم تسويتها بالأرض، مما ترك فراغاً في سجل التاريخ.

ومن أكثر الأمثلة المؤلمة هو تغيير هوية مسجد "الجامع الأزرق" التاريخي، حيث تدّعي السلطات الأرمينية أنه يعود لأمة أخرى، في حين أنه معروف منذ قرون بأنه رمز للحضارة الأذربيجانية في المنطقة. ووصفت زولفيكار هذا التصرف بأنه "تزوير مؤلم للتاريخ".

وقد عمل مجتمع أذربيجان الغربية بنشاط على إيصال هذه القضية إلى الساحة الدولية. ففي العام الماضي، وجهوا رسالة رسمية إلى منظمة اليونسكو، طالبوا فيها بإرسال بعثة لتقصي الحقائق إلى أرمينيا لتوثيق حجم الدمار. لكن حتى اليوم، لم يتم تنفيذ هذه الخطوة.

وأشارت اليونسكو في ردها إلى أن تدمير التراث الثقافي الأذربيجاني يقع ضمن نطاق ولايتها، غير أن تأخر إرسال البعثة يثير الريبة في نظر الجانب الأذربيجاني، الذي يتهم أرمينيا بإعاقة العملية لإخفاء حجم التدمير الذي تم عمداً.

وقالت زولفيكار: "من الواضح أن أرمينيا لا تريد أن تُكشف هذه الحقائق. إنهم يخشون أن يرى العالم مدى التدمير المنهجي الذي تم ارتكابه". وأضافت أن المجتمع الأذربيجاني سيواصل الدفاع عن حقوقه، وعن تراثه، حتى يتحقق العدل.

ورغم التحديات الكبيرة، يؤكد المجتمع التزامه بالعودة السلمية والآمنة والكريمة إلى أراضي أجداده. ويطالبون بالاعتراف بالمعاناة التي لحقت بهم، واستعادة الهوية الثقافية التي جُردوا منها قسراً.

وشددت زولفيكار على أن هذه المعركة ليست مجرد صراع على الماضي، بل هي معركة من أجل الحاضر والمستقبل أيضاً، من أجل حقهم في العيش في ظل الحقيقة التاريخية. ووجهت نداء إلى المجتمع الدولي بعدم تجاهل هذه الحقائق المؤلمة والعمل من أجل تحقيق العدالة.

ويُعد تدمير أكثر من 300 مسجد من أكبر المآسي الثقافية في المنطقة، ما يعكس كيف يمكن أن يمتد أثر الصراع ليطال ليس فقط البشر، بل أيضاً تراث أمة بأكملها.

وعبرت زولفيكار عن خشيتها من استمرار هذا الدمار في ظل غياب الإجراءات الدولية، مؤكدة أن التراث الثقافي ليس ملكاً لشعب واحد، بل هو ملك للإنسانية جمعاء.

ويعمل المجتمع حالياً على توثيق الأدلة والشهادات حول هذا الدمار، ورفعها إلى المنظمات الدولية، على أمل أن يؤدي الضغط العالمي إلى إجبار أرمينيا على الاعتراف بالحقائق وتحمل المسؤولية.

كما يطالب المجتمع بإعادة إعمار المواقع التاريخية تحت إشراف دولي لضمان الحفاظ على أصالتها. ويُعد هذا الأمر خطوة ضرورية في طريق المصالحة والاعتراف الصادق بالتاريخ.

وفي ختام حديثها، أكدت زولفيكار أن النضال لن يتوقف حتى تتحقق العدالة ويُعترف بالحقيقة التاريخية. ودعت إلى تضامن عالمي لحماية التراث الثقافي الذي يُعد جزءاً من الهوية الجماعية للبشرية.

إن ما حدث يسلط الضوء على ظاهرة "الإبادة الثقافية"، وهي ظاهرة أصبحت تتكرر في العديد من النزاعات العرقية حول العالم. ويجد المجتمع الدولي نفسه أمام مسؤولية تاريخية: هل سيغض الطرف عن محو الذاكرة الإنسانية؟

ومع تزايد الأدلة، تتعاظم الضغوط على منظمات مثل اليونسكو لاتخاذ إجراءات ملموسة، لا الاكتفاء بالبيانات. وينتظر العالم خطوات حقيقية للدفاع عن العدالة، وصون التاريخ من الاندثار.

أكد الرئيس برابوو سوبيانتو أن زيارته الرسمية إلى تركيا لا تنبع فقط من المصالح الرسمية للدولة، بل تحمل أيضًا معاني شخصية عميقة. وفي خطابه المليء بالمشاعر والتأملات التاريخية، أوضح أن العلاقات بين إندونيسيا وتركيا تعود إلى جذور بعيدة تتجاوز الدبلوماسية الحديثة، وقد تأسست هذه العلاقات على أساس من التضامن التاريخي الطويل والعميق.

وفي أجواء دافئة ومليئة بروح الأخوة، وصف الرئيس برابوو تركيا بأنها دولة مميزة في أعين الشعب الإندونيسي. وشدد على أن تركيا ليست مجرد دولة صديقة، بل رمز لحضارة إسلامية عظيمة كان لها تأثير كبير في مسيرة التاريخ الإندونيسي. ووصف تركيا بأنها وريثة الإمبراطورية العثمانية، وهي حضارة تحظى باحترام المسلمين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إندونيسيا.

وقال الرئيس برابوو: "بالنسبة لشعب إندونيسيا، فإن تركيا تمثل أعظم حضارة إسلامية." وقد قوبلت كلماته هذه بترحيب حار من المسؤولين الأتراك والشخصيات الحاضرة في هذا الحدث الرسمي. وأشار إلى وجود روابط عاطفية وروحية لا يمكن محوها رغم مرور الزمن وبعد المسافات الجغرافية بين البلدين.

كما أشار الرئيس إلى الدور الكبير الذي لعبته الدولة العثمانية في دعم نضال إندونيسيا من أجل الاستقلال في الماضي. وذكر أن المساعدة من العثمانيين لم تكن فقط معنوية، بل شملت أيضًا الأسلحة والتدريب العسكري الحقيقي. وأكد أن هذه المساعدات ما زالت حية في ذاكرة الشعب الإندونيسي في مناطق مختلفة حتى يومنا هذا.

وقال الرئيس: "زرت سومطرة، وزرت آتشيه، ودلي سيردانغ، وهم يروون كيف أن أجدادهم تلقوا التدريب من جنود وضباط الدولة العثمانية." وأضاف أن هذه القصص لا تزال حية في الذاكرة الجماعية للشعب الإندونيسي، وتشكل دليلاً واضحًا على القرب التاريخي بين البلدين.

تحول هذا الخطاب إلى لحظة لإعادة تقوية أواصر الأخوة بين إندونيسيا وتركيا. وذكر الرئيس أن التاريخ لا يُعد مجرد ذكرى، بل هو أساس لبناء تعاون أكثر عمقًا وفعالية في المستقبل. وأعرب عن ثقته بأن روح التاريخ يمكن أن تخلق قوة جديدة لمواجهة التحديات العالمية.

كما أعرب الرئيس برابوو عن تقديره العميق لموقف تركيا الحازم في الدفاع عن الشعوب المظلومة، خاصة الشعب الفلسطيني. وفي نظره، فإن تركيا هي واحدة من الدول القليلة التي تجرأت على اتخاذ موقف واضح في القضايا الإنسانية التي غالبًا ما تتجاهلها الدول الكبرى.

وقال برابوو: "كثير من الدول تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنها تغض الطرف عن معاناة الشعب الفلسطيني." وأوضح أن شجاعة تركيا في الدفاع عن العدالة تعكس القيم النبيلة التي يؤمن بها الشعب الإندونيسي أيضًا. واعتبر أن هذا الموقف مثال يُحتذى به على الساحة الدولية.

كما أُشير إلى أن هذه الزيارة الرسمية تُعد خطوة استراتيجية لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، بدءًا من الدفاع والاقتصاد وحتى الثقافة. وأعرب برابوو عن تفاؤله بأن العلاقات بين البلدين ستزداد قوة وتعود بفوائد كبيرة على شعبي البلدين.

وقد رحّب الرئيس التركي بحفاوة بزيارة برابوو، وأعرب عن أمله الكبير في الشراكة الاستراتيجية بين إندونيسيا وتركيا. واتفق الزعيمان على تعزيز التعاون في مختلف القطاعات، لا سيما في مواجهة التحديات العالمية المتزايدة.

بالإضافة إلى الجانب الرسمي، فتحت هذه الزيارة المجال للحوار الثقافي الذي يعزز التفاهم بين الشعوب. وأكد برابوو على أهمية الحفاظ على القيم الحضارية والتاريخية باعتبارها أساسًا للعلاقات طويلة الأمد. وأعرب عن إيمانه بأن قوة الثقافة والتاريخ قادرة على توحيد الشعوب رغم اختلافاتهم.

وفي إطار زيارته، قام الرئيس برابوو أيضًا بزيارة عدد من المواقع التاريخية في تركيا، بما في ذلك المعالم العثمانية التي تبرز عظمة الماضي. وقد بدا عليه التأمل والاحترام الكبير للقيم التاريخية التي ورثتها الأجيال عبر العصور.

وقد حظي خطاب برابوو باهتمام واسع من وسائل الإعلام التركية، ونال استحسانًا من مختلف الأوساط. واعتبر الكثيرون أن هذه الكلمة أضفت بعدًا جديدًا على الدبلوماسية الثنائية، حيث جمعت بين الجانب الرسمي والبعد الثقافي والعاطفي.

وتُعد أجواء الأخوة التي سادت خلال هذه الزيارة إشارة قوية إلى أن إندونيسيا وتركيا تملكان إمكانيات كبيرة لتكونا شريكين استراتيجيين متكافئين يدعمان بعضهما البعض في مختلف المحافل الدولية. وأكد برابوو على أهمية الأخوة بين الشعوب المبنية على الاحترام والمساندة المتبادلة.

وفي ختام كلمته، أعرب الرئيس برابوو عن أمله في أن تستمر العلاقات بين إندونيسيا وتركيا في النمو وأن تُسهم بشكل إيجابي في تحقيق السلام العالمي. ودعا الجميع إلى الحفاظ على روح التضامن واستلهام التاريخ لبناء مستقبل أفضل.

بروح تاريخية حية، أصبح خطاب برابوو في تركيا تذكيرًا بأن الدبلوماسية ليست مجرد شكليات، بل هي نسيج من المشاعر والاحترام والإرث المشترك الذي يجب صيانته باستمرار. وهكذا تدخل العلاقات بين إندونيسيا وتركيا مرحلة جديدة من التقارب والتفاهم العميق.

تُعدّ ولاية ترينغانو الواقعة على الساحل الشرقي من شبه جزيرة ماليزيا، ليست فقط معروفة بجمال شواطئها، بل أيضًا تحتضن كنزًا ثقافيًا يكاد يُنسى: فن صناعة القوارب التقليدية الملايوية. ففي خلفية هدير أمواج بحر الصين الجنوبي، لا تزال أصوات المطرقة والإزميل تتردد في الورش الخشبية القديمة، شاهدة على إرث حضاري ورثته الأجيال منذ آلاف السنين عن المجتمع المالايو-بولينيزي.

ليست صناعة القوارب في ترينغانو مجرد حرفة يدوية أو تقليد ثقافي، بل هي دليل حيّ على استمرارية حضارة بحرية قديمة. فالأساليب المتّبعة فيها تحمل في طيّاتها علومًا ملاحية ورثها الحرفيون أبًا عن جد، لتكون بذلك شاهدًا حيًّا على هوية شعوب المالايو-بولينيزيا التي ما تزال حاضرة في كل قطعة خشب ومسمار خشبي داخل القوارب التقليدية الملايوية.

ورغم اختفاء السفن الكبيرة مثل "جونغ" التي كانت تجوب مياه جنوب شرق آسيا، إثر الهيمنة الاستعمارية الأوروبية على مضيق ملقا، لا تزال سفن مثل "بيناس" و"بدار" تشكل رموزًا لصمود التقاليد وقدرتها على التكيف مع الحداثة، فهي ليست فقط وسيلة نقل، بل تجسيد لعبقرية الحرفيين الملايويين في دمج التراث مع المؤثرات الحديثة.

ما يميز هذه الصناعة هو منهجية البناء "بطن القارب أولًا، ثم الهيكل". إذ لا يستخدم الحرفيون مخططات أو رسومات هندسية، بل يعتمدون على الملاحظة والخبرة والبصيرة، حيث يُشيَّد جسم القارب لوحًا تلو الآخر وبشكل متماثل على الجانبين، وهو ما يتطلب مهارة فائقة لا يتقنها إلا القليل.

من أبرز التقنيات المستخدمة هي تقنية "التيمبال"، حيث تُركب الألواح الخشبية دون إطار مسبق، وتُثبت باستخدام أوتاد خشبية مصنوعة من خشب "البيناكا" الصلب، دون اللجوء إلى الحشوات الليفية المعتمدة في التقنية الأوروبية. وبدلًا منها، تُستخدم شرائح من لحاء "الغيلام" الطبيعي، وهو مادة عازلة للماء فعالة للغاية.

هذه التقنية هي دليل على براعة هندسية أصيلة تعود إلى الشعوب البروتو-ملايوية منذ آلاف السنين. فهي ليست فقط فريدة من نوعها، بل فعالة ومستدامة، وتُعد جزءًا من التراث الملاحي الأسترونيزي القديم – ما يدل على امتلاك هذه الشعوب نظمًا تكنولوجية متقدمة منذ فجر التاريخ.

تشير الأبحاث الأثرية واللغوية إلى أن هذه الأساليب كانت مستخدمة منذ أكثر من 10 آلاف عام، حيث استعملها البحارة الأسترونيزيون لنقل الثقافة والزراعة واللغة عبر المحيطات، بما في ذلك تقنيات زراعة الأرز التي انتقلت من سواحل الصين الشرقية إلى كافة أنحاء جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ.

من هذا المنطلق، لا تُعد القوارب التقليدية وسيلة نقل فحسب، بل رمزًا لنشر الحضارة والثقافة. فهي جسر يربط بين العصور، ووسيلة للتواصل بين الجزر والشعوب، تنقل في طياتها المعارف والقيم التي شكلت أساس الهوية المالايو-بولينيزية.

لكن اليوم، يقف هذا التراث على حافة الاندثار. فمع تسارع الحداثة وضعف اهتمام الأجيال الشابة، أصبحت هذه الصناعة في خطر. ودون دعم فعلي من الحكومات والمؤسسات التعليمية، قد تختفي هذه الحرفة العريقة قريبًا.

وإذا ضاع هذا الإرث، فلن نفقد فقط طريقة في صناعة القوارب، بل سنفقد جزءًا من هويتنا وشاهدًا تاريخيًا هامًا على عراقة أمتنا. فبدون هذا الدليل الحي، سيكون من السهل على البعض ترويج روايات زائفة حول أصل الملايو، تمحو مساهماتهم في حضارة آسيا.

وقد عبّر الباحثون في التراث، مثل "سريكاندي"، عن قلقهم من هذا المصير، محذرين من ضياع الحقيقة التاريخية لصالح روايات مشوّهة. لذا، فإن الحفاظ على هذا الإرث أصبح أمرًا ملحًا لا يحتمل التأجيل.

ويجب على الحكومات والمجتمعات المدنية إطلاق مبادرات لتوثيق هذا الفن وتعليمه، من خلال ورش العمل والمعارض والأنشطة التفاعلية، وتحويل الورش التقليدية إلى مراكز للتدريب والتثقيف للأجيال القادمة.

كما يمكن أن يشكل هذا التراث مصدرًا فريدًا للسياحة الثقافية، يُعرف العالم بالهوية الملاحية لشعوبنا، ويعزز حضورها في التاريخ الإنساني كمساهم رئيسي في الحضارات البحرية.

وسط أمواج العولمة التي تهدد القيم الثقافية، تبرز هذه الحرفة كمقاومة صامتة وقوية في آنٍ واحد. إنها تثبت أن هوية الشعوب ليست مجرد سطور في الكتب، بل مهارات حية تنتقل من جيل إلى جيل.

لقد حان الوقت لإحياء هذا التراث وحمايته من النسيان. لا يجب أن نكون أمة تفقد جذورها. فهذا التراث ليس مجرد حنين إلى الماضي، بل أساس نبني عليه فخرنا في المستقبل.

وكما لا يتوقف الموج عن معانقة الشاطئ، يجب أن يستمر هذا الإرث حيًا – في صوت المطرقة، وفي عزيمة الشباب، وفي إدراكنا العميق بأننا ننتمي إلى حضارة عظيمة أبحرت يومًا عبر المحيطات لتصنع التاريخ.



تعتبر اللغة العربية أحد التراث الثقافي والديني الذي يكتسبه الطلاب في المدارس الدينية (التي تعرف بالمدارس "البرسانتر")، حيث لا تقتصر على كونها وسيلة للتواصل فقط، بل أيضًا هي أداة لفهم المصادر الأساسية للدين الإسلامي مثل القرآن الكريم والحديث الشريف. ومع مرور الوقت، يواجه العديد من خريجي المدارس الدينية صعوبة في الحفاظ على مهاراتهم في اللغة العربية بسبب قلة استخدامها في حياتهم اليومية بعد التخرج.

ومن أجل الحفاظ على مهارات اللغة العربية، يمكن لخريجي المدارس الدينية تبني بعض الاستراتيجيات الفعّالة. على سبيل المثال، يمكنهم إنشاء مدونات شخصية باللغة العربية. من خلال الكتابة بالعربية، يمكنهم الاستمرار في تدريب هيكل الجمل وتوسيع مفرداتهم، مما يساعدهم على الحفاظ على اتصال عاطفي مع اللغة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لخريجي المدارس الدينية الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي باللغة العربية. من خلال تنظيم حسابات في منصات مثل إنستغرام وتويتر وفيسبوك ونشر محتوى وتعليقات باللغة العربية، يمكنهم دمج اللغة العربية بشكل مستمر في روتينهم اليومي بطريقة ممتعة.

من الأمور الأخرى المفيدة هي تكوين مجموعات صغيرة من الخريجين الذين يتفقون على استخدام اللغة العربية في التواصل اليومي. يمكن لخريجي المدارس الدينية أن يشكلوا مجموعات على تطبيقات مثل واتساب أو تليجرام مخصصة لتبادل الرسائل باللغة العربية فقط. هذا سيوفر فرصة للممارسة المستمرة في بيئة غير رسمية ولكنها منتظمة.

وإلى جانب الكتابة والتواصل الشفهي، فإن قراءة الأخبار والمقالات باللغة العربية تعتبر تمرينًا فعالًا جدًا. العديد من المواقع الإخبارية العربية مثل الجزيرة و العربية توفر محتوى غنيًا يمكن لخريجي المدارس الدينية قراءته بانتظام، وتحليل بنية الجمل واكتساب مفردات جديدة.

كما يمكنهم الاستماع إلى البودكاست أو مشاهدة الفيديوهات باللغة العربية من خلال القنوات على يوتيوب أو منصات البث. هذه الوسائل ليست فقط ممتعة، بل تساعد أيضًا في تحسين مهارات الاستماع وفهم اللغة العربية في سياقات مختلفة.

إلى جانب القراءة والاستماع، يمكن لخريجي المدارس الدينية المشاركة في دروس تعلم اللغة العربية عبر الإنترنت بشكل دوري. حتى إذا كانوا قد درسوا اللغة في الماضي، فإن المشاركة في الدروس الحديثة يمكن أن تكون فرصة لتجديد المهارات وتعميق الفهم.

كتابة المذكرات الشخصية أو اليوميات باللغة العربية هو أسلوب بسيط ولكنه فعال. حتى لو كانت الكتابة يومية مكونة من بضعة أسطر فقط، فإن هذه العادة تساعد في تحسين المهارات الكتابية وتقوية الذاكرة فيما يتعلق بالبنية اللغوية.

عقد لقاءات دورية سواء عن بُعد أو في الواقع بين الخريجين يمكن أن يكون مكانًا جيدًا للممارسة العملية للغة العربية. في هذه اللقاءات، يمكن للمتحدثين مناقشة موضوعات مختلفة، مما يعزز مهارات التحدث والاستماع والقراءة بشكل جماعي.

من الممكن أيضًا أن يفكر الخريجون في تدريس اللغة العربية كمتطوعين في المؤسسات التعليمية أو مراكز الدروس الخصوصية. تعليم الآخرين يعزز مهارات الشخص نفسه ويجبره على التحديث المستمر لمعلوماته اللغوية.

المشاركة في مسابقات اللغة العربية مثل المسابقات الأدبية أو المناظرات تعتبر طريقة رائعة لتشجيع وتحفيز المهارات اللغوية. التحضير لمثل هذه المسابقات يتطلب تدريبًا مكثفًا يمكن أن يكون مفيدًا في صقل المهارات اللغوية.

الاشتراك في المجلات أو الدوريات العلمية باللغة العربية هو أيضًا خيار جيد. قراءة الأعمال الأدبية أو الأكاديمية باللغة العربية يمكن أن تساعد في توسيع المفردات واكتساب مهارات جديدة في القراءة والفهم.

إنشاء محتوى على يوتيوب باللغة العربية مثل المدونات اليومية أو دروس دينية أو حتى مقاطع تعليمية يمكن أن يكون تجربة غنية. هذا النوع من الأنشطة يساهم في تقوية اللغة العربية بينما يشجع على نشر المعرفة في ذات الوقت.

التفاعل مع المتحدثين الأصليين للغة العربية عبر تطبيقات تبادل اللغة أيضًا يمكن أن يكون مفيدًا جدًا. من خلال التحدث معهم، يمكن لخريجي المدارس الدينية تحسين نطقهم، وتوسيع معرفتهم بالعبارات العامية والفصحى.

حفظ مفردات جديدة كل يوم وتثبيتها في الأماكن التي يتم رؤيتها بشكل مستمر مثل المكاتب أو المرايا يمكن أن يساعد في تعزيز الذاكرة اللغوية. هذه الطريقة البسيطة تساعد على تحسين معارفهم اللغوية بشكل مستمر.

إذا أمكن، السفر إلى البلدان العربية مثل المملكة العربية السعودية أو مصر أو دول الخليج يعتبر فرصة ذهبية لتطوير مهارات اللغة العربية بشكل عملي من خلال التفاعل اليومي مع الناطقين بها.

وأهم شيء هو أن يتمسك خريجوا المدارس الدينية بنية وعزيمة قوية للحفاظ على اللغة العربية، وأن يتذكروا دائمًا أن اللغة العربية ليست مجرد مهارة، بل هي شكل من أشكال الشكر على العلم الذي اكتسبوه.

في النهاية، يمكن لخريجي المدارس الدينية الحفاظ على مهاراتهم في اللغة العربية من خلال الإبداع والالتزام والدعم المتبادل من المجتمع. فاللغة العربية ليست فقط أداة علمية بل هي جسر لفهم دينهم الثقافي والعقائدي بشكل أعمق.

دمشق، سوريا - وسط عاصفة الصراعات التي تجتاح البلاد، تخفي سوريا طموحات كبيرة في مجال الفضاء. وكالة الفضاء والطيران السورية (وكالة الفضاء والطيران السورية)، وهي مؤسسة حكومية تابعة لوزارة الاتصالات والتقانة، تواصل جهودها لتحقيق حلم سوريا في استكشاف الفضاء.

على الرغم من أن الأمر قد يبدو كحلم في وضح النهار بالنسبة لدولة مزقتها الحرب، إلا أن هذا الطموح ليس مجرد أضغاث أحلام. ففي 11 ديسمبر 2018، أعلن وزير الاتصالات والتقانة السوري، إياد الخطيب، عن خطة طموحة لوضع خارطة طريق لبرنامج الفضاء السوري وإطلاق أول قمر صناعي سوري الصنع إلى مدار الأرض.

"يجب علينا وضع خارطة طريق لبرنامج الفضاء السوري، وكذلك إطلاق أول قمر صناعي من صنعنا إلى مدار الأرض"، أكد الخطيب خلال زيارة لمنشآت أبحاث الفضاء. هذا التصريح يدل على جدية الحكومة السورية في تطوير تكنولوجيا الفضاء، على الرغم من محدودية الموارد والتحديات السياسية.

يشير تاريخ سوريا إلى أن البلاد كان لها مساهمات كبيرة في مجال علم الفلك، خاصة خلال العصر الذهبي للحضارة الإسلامية. علماء سوريون مثل البتاني قدموا مساهمات هامة في تطوير علم الفلك. بالإضافة إلى ذلك، أرسلت سوريا أيضاً رائد فضاء، محمد فارس، إلى محطة الفضاء مير في عام 1987، مما يدل على أن سوريا لديها إمكانات في مجال الفضاء.

ومع ذلك، فقد أعاق الصراع المطول تطور برنامج الفضاء السوري. الأولوية الحالية للحكومة هي إعادة تأهيل البلاد من الصراع وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب. ومع ذلك، فإن الطموح لاستكشاف الفضاء لا يزال مشتعلاً.

تدرك وكالة الفضاء والطيران السورية أن الرحلة إلى الفضاء ليست سهلة. إنهم يواجهون تحديات مختلفة، بما في ذلك محدودية الموارد، ونقص البنية التحتية، والعقوبات الدولية. ومع ذلك، فإنهم لا يستسلمون.
إحدى الخطوات الهامة التي تم اتخاذها هي إقامة تعاون مع دول أخرى لديها خبرة في مجال الفضاء. من المتوقع أن يساعد هذا التعاون سوريا على تطوير تكنولوجيا الفضاء وإطلاق أول قمر صناعي لها.

بالإضافة إلى ذلك، تركز وكالة الفضاء والطيران السورية أيضاً على تطوير الموارد البشرية في مجال الفضاء. يقومون بتنظيم دورات تدريبية وتعليمية للعلماء والمهندسين السوريين الشباب.

"نعتقد أن الجيل الشاب من السوريين لديه إمكانات كبيرة لتطوير تكنولوجيا الفضاء"، قال مسؤول في وكالة الفضاء والطيران السورية. "نريد أن نمنحهم الفرصة لتحقيق أحلامهم."

قد يبدو طموح سوريا لاستكشاف الفضاء مستحيلاً للبعض. ومع ذلك، بالنسبة للشعب السوري، هذا رمز للأمل والنهضة. إنهم يؤمنون بأنه في يوم من الأيام، سيرفرف العلم السوري في الفضاء.

على الرغم من أن الطريق لا يزال طويلاً ومليئاً بالتحديات، إلا أن سوريا تواصل المضي قدماً بإيمان بأن أحلامهم ستتحقق. طموح الفضاء هذا ليس مجرد تكنولوجيا، بل هو أيضاً عن الروح والعزيمة لبناء مستقبل أفضل لسوريا.

سيابجة: تأثير الملايو والجاوى من جنوب شرق اسيا على الحضارات الفارسية وحضارات بلاد ما بين النهرين

من الشرق إلى الغرب ، من الأراضي المنخفضة إلى التلال الآسيوية في التبت. تأتي من برية الهند الصينية إلى صحراء بغداد والخليج الفارسي. لديهم جميعًا سجلات لأمة وإمبراطورية كبيرة وغنية. وقواق ، سريبوجا ، سنريجافا ، شامبالا ، سباغ ، الزباج ، شفاكا ، جافاكا ، تشيفاكا ، سيابجة ، أي سريفيجايا.


من هم بني سيابجة؟


السجلات العربية غير واضحة فيما يتعلق بأصل كلمة سيابجة لأنها ليست عربية ولا فارسية. يُعرف هؤلاء في السجلات العربية والفارسية باسم مزارعي الأرز ومربي الجاموس. إنهم يعيشون في مناطق المستنقعات أو مناطق زراعة الأرز في جنوب العراق وإيران. في وقت من الأوقات ، كانت منطقة البصرة ، وخاصة في عهد المملكة الساسانية ، كان الأمويون والعباسيون مصدر الأرز لجميع الإمبراطوريات الإسلامية. لكن من أين أتى هذا الأرز أو الجاموس؟ هناك علماء يجادلون بأن الأرز والجاموس جلبت إلى العراق أو البصرة من قبل عشيرة سيابجة٠

. لكن من هم بالضبط؟

وفقًا لكتاب "The Encyclopedia of Islam" فهم أفراد من عائلة الملايو من مملكة سريفيجايا. هذا يمكن أن يفسر عنصر التشابه بين كلمات Srivijaya و Sayabiga. كلمة Sayabiga نفسها متجذرة في الكلمة العربية / Parsi Zabag. يُعتقد أيضًا أن أقوال Zabag متجذرة في الكلمات السنسكريتية لشعب يسمى "Djavaka" أو "Shavaka" في مصطلحات Dravidian. إذا درسنا النصوص القديمة من الهند وسريلانكا ، فسنجد أن الكلمات Djavaka / Jawaka / Shavaka تشير إلى نفس الأمر ، أي عالم الملايو أو تشير تحديدًا إلى سكان جزيرة سومطرة وشبه الجزيرة والجزيرة جافا. باختصار ، يشير إلى أراضي سريفيجايا كيداتوان.

ما هو أكثر إثارة للاهتمام هو أن قبيلة سايابيجا يشار إليها في السجلات العربية باسم Sea Gypsy أو البحارة ذوي المهارات العالية وربابنة السفن. يتزامن هذا بالفعل مع الأنشطة البحرية التي هي بالفعل خبرة مجتمع الملايو. وهم معروفون باسم "شعوب البحر" الموثوق بهم. كانت مصداقيتهم هي التي دفعتهم إلى توظيفهم من قبل الإمبراطورية الفارسية الساسانية والإمبراطورية الأموية والعباسية ليصبحوا حارسًا وحراسًا شخصيين وضباط شرطة وقوات بحرية.

كان ميشيل جان دي جويجي أول من ناقش عشيرة سايابيجا بإسهاب في كتابه "Memoire sur les migrations des Tziganes a Travers I'Asie". ووفقًا له ، فإن وجود قبيلة سايابيجا في بلاد فارس لم يبدأ في العصر الإسلامي ولكنه كان موجودًا منذ عصور ما قبل الإسلام. لقد قاموا بنشر قوات على الساحل الجنوبي للخليج الفارسي. في عهد الخليفة أبو بكر الصديق ر.أ ، وجد أيضًا أن عشيرة الصيابيجا كانت لديها بالفعل مستوطنات في منطقة البحرين. وهذا يثبت أن أبناء عائلة الملايو قد وطأت أقدامهم أرض الأنبياء منذ فترة طويلة. وقال أيضا:


صرح بول كينكاي مانانسالا ، وهو عالم تاريخي من الفلبين ، أن عشيرة سايابيجا هي المسؤولة عن نشر تعاليم التانترا إلى العالم الغربي قبل اعتناقهم الإسلام. كما يعتقد أن معرفة اليوجا التانترا التي يمتلكها شعب الصيابيجا هي التي أثرت في ولادة الصوفية والطائفة الإسماعيلية الشيعية التي بدأت بالفعل في محيط البصرة ثم شمال سوريا حيث يعيش سكان هذه الأماكن من سايابيجا. ووفقًا له ، فإن هذه المعرفة قد عمل عليها Dharmakirti Suwarnadipa ، أحد العلماء البوذيين المشهورين في سريفيجايا نفسه. وبحسبه ، هناك أسماء لخبراء الصوفيين الأوائل الذين يظهرون احتمالية انحدارهم من عالم الملايو ، مثل سليم الباروسي وأبو يزيد الوقوقي. ومع ذلك ، هذا مجرد رأي مبني على بحثه. لا يزال هناك العديد من الأمور الغامضة التي يجب إزالتها.

إذن في الختام ، هل من المستحيل القول إن أفراد عائلة الملايو عاشوا ذات مرة في بابل وخدموا إمبراطورية الخليفة؟ في الواقع ، هذا ليس مستحيلًا ، لأنه منذ أن كان الفرس الوراثي أحد شركاء الطبيعة الماليزيين التجاريين المألوفين جدًا. توضح دراسة البروفيسور Asyaari Muhammad ، خبير الآثار من UKM ، أن العلاقة بين مملكة Parsi كانت موجودة بالفعل مع Alam Melayu منذ العصور القديمة قبل عودة الإسلام.

وقد أجرى مقارنات بين الفخار المزجج الأزرق الموجود في عدة مواقع في هذا البلد وتلك الموجودة في بلاد فارس القديمة والنتيجة واحدة. قد يفسر هذا سبب وجود العديد من الكلمات المستعارة من الفارسية في BM ، بما في ذلك بندر ، شاه ، المجلس ، الأغنام ، البحار ، العيد ، التضاريس ، الكأس ، النوبت ، السوق ، القبطان ، التاجر ، البطل ، الساعة ، الأقحوان ، التمر ، الزبيب ، شاهبندر و قمح. ربما عندما كان 300 جندي اسبرطي يقاتلون مع جيش مملكة بارسي ، كانت هناك بالفعل علاقة بين عائلات الملايو والبارسي.

لذا فإن العلاقة بين البارسيس والعرب مع عائلة الملايو كانت سارية المفعول لفترة طويلة وليس من المستحيل أن يكون هناك توطين مبدئي لملايو سريفيجايا في الخليج الفارسي والتي شكلت فيما بعد بني سايابيجا. هذا الأمر ليس شيئًا يقلق الأمة الماليزية لأن أمتنا لم تغامر فقط في الخليج الفارسي ولكن أيضًا في إفريقيا وفتحت ذات مرة مستعمرة في مدغشقر التي تبعد آلاف الأميال عن الخليج الفارسي. هذا ليس مستحيلاً ، فقد أوصلتهم خبرة أهالي سريفيجايا في قيادة الطريق البحري إلى أرض الأنبياء عبر الطريق البحري الشرقي. في الختام ، أقتبس كلمات غابرييل فيران:

اقرا المزيد
الكاتب : أحمد خليلي حاسب

الجمعة، 2 من ديسمبر 2016 هو يوم تاريخي للشعب الإندونيسي خاصة للمسلمين.
في ذاك اليوم، اجتمع ملايين الناس من حميع أنحاء إندونيسيا في البرج الوطني (موناس) وما حولها، والهدف الأساسي من ذاك البرنامج المسمى بالحركة السلمية 212 هو مطالبة حكومة إندونيسيا بالقيام بالدستور بإلقاء المتهم بإهانة الدين "أهوك" في السجن ومعاقبته حسب القوانين النافذة.

ليس هناك قصد لإثارة الفوضى، لا سيما قصد المؤامرة والانقلاب، تلك اتهامات خيالية و باطلة ليست حقيقية، وأعتقد أن تلك الاتهامات جاءت من فئة أهوك المتهم بإهانة الدين.

فضلا عن قصد المؤامرة والانقلاب، فإن المشاركين في تلك الحركة يحرصون على عدم دوس العشب. عبر القائد العام للشرطة في كلماته عن شعوره بالسعادة عن هذه الحركة، وذكر أنه لا عشب يداس ولا شجرة تقطع، الأخلاق الكريمة قد أظهرها المسلمون في هذه الحركة. مع أن المسلمين مظلومين وملومين من أعدائهم  ولكنهم أظهروا الأخلاق الكريمة، ولذا كان الشعب الإندونيسي يجب أن يشكروا بوجودهم.

غضب الأمة الإسلامية على هذا الظلم لا يعارض الناحية المنطقية، هم يستطيعون أن يحشدوا جميع طاقاتهم من أنحاء إندونيسيا لحل هذه المسألة بطريقتهم، ولكنهم لا يزالون يعتقدون أن هناك طرق سلمية لحل هذه المسألة، ومنها هذه الحركة السلمية 212.

وهذه الحالة لا بد أن يفهمها رئيس الدولة، ولا بد له أن يشكر الله بوجود العلماء كحبيب رزيق شهاب والشيخ بختيار ناصر، وغيرهما، ولولا إدارة العلماء في تلك الحركة لكانت إندونيسيا في فوضى.

ولأن هذه الحركة حركة سلمية، فإن من برامجها ذكر الله من أجل سلامة البلاد والشعب. تبدأ بذكر الله في الصباح وتنتهي بانتهاء صلاة الجمعة في ساحة البرج الوطني وما حولها.



دراسات في المذاهب الأدبية الحديثة(1) :
مما لا ريب فيه أن الأدب العربي الحديث اتصل بالأدب الغربي قديمه وحديثه اتصالاً وثيقاً، وتأثر به تأثراً بالغاً قد يفوق تأثره بالأدب العربي القديم، كل ذلك عن طريق الاقتباس والتعريب والترجمة، واطلاع الأدباء العرب على الأدب الغربي في لغاته الأصلية، ويظهر ذلك من استحداث فنون أدبية جديدة في أدبنا العربي الحديث، أخذناها من الأدب الغربي كالملاحم والمسرحيات الشعرية، والمسرحيات التراجيدية والكوميدية.. وتقليد المذاهب الأدبية، كالكلاسيكية، والرومانتيكية، والرمزية.. وقبل أن ندخل في دراسة هذه المذاهب كل مذهب منها على حدة، ونلم به في شيء من التفصيل والبيان، لابد من الإشارة إلى أن النهضة الأدبية الأوروبية سعت منذ بزوغها إلى استلهام الأدب الإغريقي واللاتيني، وترسم منهجه وخطاه، واستغرقت في دراسته واستظهاره آثار أفلاطون.. وأرسطو، وهوميروس، وسوفوكليس، وشيشرون وغيرهم، وفي ظل هذه العناية الفائقة بآثار اليونان والرومان نشأ في أوروبا أول مذهب أدبي هو "الكلاسيكية"، ولكن هذا المذهب لم يكتب له الذيوع والانتشار إلا مدة محدودة، إذ قامت في إيطاليا وألمانيا وإنجلترا انتفاضات على هذا التقليد، وتمرد على تلك التبعية لآثار الإغريق والرومان، وبخاصة إذا عرفنا أن هذه الأقطار وأقطاراً أخرى كانت تسعى نحو الاستقلال والوحدة، وتنشد أدباً ذاتيا يعبر عن آمالها وآلامها وأفراحها وأحزانها، وهذا ـ بالطبع ـ أفضى بها إلى استحداث مذاهب أدبية جديدة غير الكلاسيكية. ولعل القارئ أدرك بنفسه الآن أن هذه المذاهب نشأت نتيجة لحالات نفسية وأوضاع اجتماعية سادت أوروبا.



ولن نستفيد من تلك المذاهب في أدبنا إلا إذا أحطنا بهذه الحالات والأوضاع، وألممنا بتلك الظروف التي نشأت في أحضانها، وهي ظروف تختلف اختلافاً بيناً عن ظروفنا وحاجاتنا الروحية والنفسية.
وبعد هذه التوطئة التاريخية يحسن بنا أن نتحدث عن هذه المذاهب مراعين في ذلك ترتيبها الزمني.


الكلاسيكية
مر بنا منذ قليل أن الكلاسيكية أول مذهب أدبي، نشأ في أوروبا بعد الحركة العلمية والنهضة الأدبية التي سادت أوروبا إبان القرن الخامس عشر من الميلاد، وتعد فرنسا الموطن الأول الذي نشأت فيه الكلاسيكية، ونمت وترعرت، ويحدد "لانسون" فترة وجودها في الأدب الفرنسي من عام 1549م حتى عام 1615م، ووضعت أصولها وقواعدها وأسسها حوالي عام 1630م، وذلك بظهور طائفة من زعماء هذه المدرسة من أمثال: شابلان، وأسكديري، والناقد بوالو.
والكلاسيكية في معناها اللغوي مشتقة من الكلمة اللاتينية: "كلاسيس Classis، وتطلق في الأصل على مجموعة من السفن الحربية أو التجارية،أي : "وحدة في الأسطول" ، كما تطلق ـ أيضاً ـ على: "الفصل الدراسي"، ويترجمها الأستاذ أحمد حسن الزيات بـ: "الاتباعية"، ولعل في ترجمته لها شيئاً من التجوز، وبخاصة إذا عرفنا اشتقاقها اللغوي، ولكنها ـ على أية حال ـ أدق معنى وأصدق دلالة من تفسيرها بالقديم أو التليد. أو ما رادف هذين من ألفاظ لسبب بسيط، وهو أن الاتباعية فيها إلماع إلى المنهج الذي تقيدت به الكلاسيكية كما سيأتي.
وعندما ظهرت الحركة العلمية في أوروبا، وذلك بعد نزوح علماء بيزنطة وأدبائها إلى إيطاليا، حاملين معهم المخطوطات الإغريقية واللاتينية القديمة، أخذ الأوروبيون يعملون على نشر تلك المخطوطات ودراستها، واستنباط خصائصها وقواعدها تلك التي أكسبتها الخلود والبقاء، مستضيئين في ذلك بكتابي أرسطو المشهورين: "الخطابة" و"الشعر"، وبقصيدة هوراس الشاعر الروماني الطويلة المسماة: "فن الشعر".
فالتراث اليوناني والروماني في الأدب والفن بصفة عامة هو التكئة التي اتكأت عليها الكلاسيكية منذ نشأتها، ومنه استمدت أصولها ومبادئها. ولكن يجب أن لا يغرب عن البال أن الأصول النظرية التي وضعها أرسطو هي التي تعد في نظر الكثيرين أصل الكلاسيكية، ومن المعروف أن أرسطو لم يتطرق في كتابه: "الشعر"، إلا إلى الملاحم والدراما، واهتم بالأدب التمثيلي بفرعيه: التراجيديا، والكوميديا.
وبذهب بعض الباحثين بناء على هذا إلى أن أغلب الأصول الفنية التي تعصبت لها الكلاسيكية كانت في الواقع الأصول الخاصة بالدراما والتراجيديا، بحيث نستطيع أن نقول: إن أصول الكلاسيكية تنحصر في الأدب التمثيلي، وهو الأدب الذي انصرفت إليه جهود الكلاسيكيين، وتميزوا به. ومن الخير أن نشير إلى تلك الجهود اللغوية، ومن ثم الجهود الفلسفية التي ساعدت على تأصيل هذا المذهب واكتماله.
في القرن السادس عشر من الميلاد تألفت جماعة من شعراء فرنسا بزعامة الشاعر: "روتسار 1524 ـ 1585م"، أطلقت على نفسها جماعة: "الثريا"، وعملت على إحياء اللغة وتجديد أساليبها، ومحاكاة النماذج العالية من أدب اليونان والرومان، وأصدر الشاعر "دي بللي" أحد أعضائها كتابه "دفاع عن اللغة الفرنسية" عام 1549م، هاجم فيه أولئك الذين يكتبون إلى الشعب الفرنسي باللاتينية، ويتجاهلون لغته التي تميزت معالمها، ونادى بالانصراف عن الموضوعات الشعرية التافهة، كالأدب الكنسي وأدب الفرسان، وضرورة الإقبال على الموضوعات الشعرية الجليلة التي أقبل عليها الإغريق والرومان.
ثم أتى بعده الشاعر الكبير "ماليرب 1555 ـ 1628م"، وكان له أثر بعيد في تهذيب اللغة وتطويرها، وامتاز شعره بالفخامة، والجزالة والرصانة، وإحكام النسج، واختار لشعره موضوعات جليلة ذات طابع إنساني، ولم يسمح لعاطفته الجياشة الفياضة أن تطغى على شعره، بل لاءم بينها وبين عقله، واستخف بما عمله "رونسان" وجماعته من الدعوة للأخذ باللغة الشعبية، وإغنائها بألفاظ جديدة، مبتكرة، أو مقتبسة. والأدب عند "ماليرب" إلهام وصنعة وموهبة ومعاناة، وهو يرى ـ أيضاً ـ أن لكل انفعال عاطفي أو نفسي وزنه ونبرته. وقد أعجب بهذه المعاني ورددها الشاعر والناقد الفرنسي الكبير "بوالو ـ 1636 ـ 1711مـ، في قصيدته الطويلة: "فن الشعر"، التي حاكى فيها هوراس في مطولته: "فن الشعر، أو خطاب إلى آل بيزون" ، وعلى هذا الأساس يمكن لنا أن نعد الشاعر "ماليرب" من رواد المذهب الكلاسيكي، في حين أن ما عمله رونسار وجماعته يعد في صميمه انشقاقاً على هذا المذهب.. ولو أن "رونسار" حاول أن يحيي فن الملاحم ـ وهو جزء من تراث الإغريق الأدبي ـ وذلك بإنشاء ملحمته المسامة "الفرنسياد"، التي يقص فيها البطولات وأعمال التضحيات التي أتى بها "فرانسوا" الأول في غزوه لإيطاليا، بسبب أن محاولته الملحمية تلك فشلت، بحيث لم تجد رواجاً بين الناس، حيث إن عصر الملاحم ـ فيما يبدو ـ كان قد ولى، الأمر الذي صرفه وصرف جماعته إلى الشعر الغنائي، والمناداة بأخذ لغة فرنسية جديدة مستقلة عن اللاتينية، ولا شك أن هذا بعيد كل البعد عن روح الكلاسيكية ومبادئها، لما سبق أن ذكرنا أنها تنحصر غالباً في الأدب التمثيلي.
وفي سنة 1634م أنشأ الكاردينال "دي ريشيليو" وزير الملك لويس الثالث عشر المجمع اللغوي الفرنسي، وقام هذا المجمع بوضع قاموس لغوي ترسم فيه خطوات الشاعر "ماليرب".
هذا عن الجهود اللغوية. أما الجهود الفلسفية، فتتمثل في جهد فيلسوفين عظيمين، رسما للأدب بفلسفتهما اتجاهاته الفكرية ، بعده فنّا له في الحياة الإنسانية رسالة سامية ، وآراء هذين الفيلسوفين تعد الوجه الحقيقي للكلاسيكية، وصنعت فلسفتهما وعاءً فكرياً نظرياً مجرداً لتحديد مسار هذا المذهب، والفيلسوفان هما "ديكارت 1596 ـ 1650م"، و"باسكال 1623 ـ 1662م".
ففي سنة 1637م أصدر "ديكارت" كتاباً في الفلسفة بعنوان: "خطاب في المنهج"، وفيه يقرر عدم التسليم بشيء ما لم يوضع تحت مجهر العقل، فيفحصه ويتحقق من وجوده، وذهب أيضاً إلى أن العقل هو الموصل الوحيد إلى الخير والمعرفة، وما يرفضه العقل يجب علينا أن نرفضه، وهو في هذا يذهب مذهب المعتزلة، الذين يحكمون عقولهم فيما يعرض لهم، وهو صاحب المبدأ المشهور "أنا أفكر، فأنا إذا موجود"، ومبدأ "الشك أساس اليقين". وإنصافاً للحقيقة التاريخية لابد من أن أشير إلى أن مبدأ "الشك أساس اليقين"، كان أحد المبادئ التي بنى عليها المعتزلة مذهبهم، وعنه صدرت ما أثر عنهم من مناظرات ومجادلات ـ كما هو معروف ـ في "علم الكلام"، وقد طبق الجاحظ هذا المبدأ تطبيقاً عمليا في كتابه المشهور "الحيوان"، وبه أخذ الدكتور طه حسين في دراسته للشعر الجاهلي.
فالعقل عند ديكارت يكبح أهواء النفوس، والنزعات الضارة، والإرادة تدفع إلى العمل الخير النافع. ولقد تأثر كثير من الأدباء في إنتاجهم الأدبي بفلسفة ديكارت، ويرى النقاد أن ذلك ماثل بصفة خاصة في مآسي كورني.
وكما اعتمد ديكارت على العقل، فإن باسكال اعتمد عليه أيضاً، فالعقل عنده نقطة البداية، كما أنه نقطة النهاية، ويبدو ذلك واضحاً في كتابيه "الريفيات" ، و"الأفكار"، وقد امتاز بأسلوب منطقي ساحر جذاب ـ وبخاصة في كتابه الريفيات ـ وهذا ماجعل فولتير "1694 ـ 1778م"، يثني على هذا الكتاب، ويصفه بأنه نموذج حي من سطوة المنطق، وحرارة العاطفة، وكان موضوعياً في كتاباته، يسعى إلى تمثيل الحق والخير والجمال، وهذا المذهب هو الذي قامت عليه الكلاسيكية، وباسكال في أدبه ينحو منحى أرسطو اليوناني، وهوراس الروماني، في حين أن الأدب يجب أن تتوافر فيه الفائدة واللذة الفنية.
ثم ماذا عن الكلاسيكية من الناحية الفنية بعد أن ألممنا بها من الناحية التاريخية، ثم هل تقيد الكلاسيكيون بالموضوعات والأصول الفنية التي وضعوها؟ هذا ما أحاول الإجابة عنه الآن :
بالنسبة للأصول الفنية يمكن إجمالها في النقاط التالية:






مر بنا في موضع سابق أن الكلاسيكية اتجهت نحو الأدب الموضوعي، وهذا يشمل فيما يشمل القصة والمسرحية، ولكن لما كان اليونان والرومان لم يتركوا قصصاً، بل تركوا مسرحيات، فقد توافر الكلاسيكيون على الفن المسرحي يكتبونه شعراً، والتزموا بالاتجاه اليوناني والروماني القديم، من حيث الأصول العامة، والموضوعات وطريقة المعالجة، واختيار الشخصيات، بل لقد جمدوا من حيث بقاء مسرحياتهم على ما سموه "مشاكلة الحياة" ؛ لأن المسرح عندهم لا يعدو أن يكون مجهراً للحياة أو مرآة لها، وقد اقتضاهم ذلك أن يتوافر لمسرحياتهم ما سموه بالوحدات الثلاث: وحدة المكان، ووحدة الزمان، ووحدة الموضوع. ولهذا فإن مسرحياتهم لا تتناول حياة شخصية بأكملها، بل تتناول أزمة محددة في حياة تلك الشخصية، وورثوا أيضاً عن الإغريق والرومان تقسيماً دقيقاً لفنون المسرح تقيدوا به والتزموه، ففنون المسرح عندهم تنقسم قسمين:


ولكن هذا التقسيم الكلاسيكي، والتقيد به لم يدم طويلاً، بل أخذ في التضعضع، ثم في الانهيار بفعل تقدم الإنسانية، ونمو ثقافتها، وتغير أوضاعها الاجتماعية، وأنكر الأدباء والمفكرون على الكلاسيكية أن تلتزم في الفن المسرحي المأساة والملهاة فقط، واحتجوا بأن الحياة في صميمها ليست مأساة، وليست ملهاة، وإنما يبكي الناس ويضحكون في أزمات أو فترات طارئة، لذلك ربما وجدت مسرحيات لا تبلغ حد المأساة كما لا تبلغ حد الملهاة، لذلك نشأت ما أطلقوا عليه الدراما الدامعة، وهي بالطبع غير مفجعة، ولا محزنة، وما سموه أيضا بالماريغودية، وهي تقوم على الدعابة المهذبة والنكتة اللطيفة.
وإن كان الأدباء لم يحطموا الكلاسيكية تحطيماً كاملاً، فإنهم توسعوا في موضوعاتها، ولم يتقيدوا بجميع أصولها، أما انهيارها وتحطمها وسقوطها، فحصل بعد ظهور الرومانسية، وذلك في القرن التاسع عشر الميلادي. وقد ترددت في أدبنا العربي لفظة الكلاسيكية وكلاسيكي فيقال: هذا أدب كلاسيكي، أو هذا أديب أو شاعر كلاسيكي النزعة بمعنى أنه قديم، أو يسير على نهج القدماء ويترسم خطواتهم، وبذلك تنطبق لفظة الاتباعية على ما نعنيه في هذا المقام.
وإذا أخذنا بهذا التفسير، فيمكن لنا أن نعد جميع الشعراء العرب القدامى كلاسيكيين، ولكن في هذا الاعتبار شيء من عدم الدقة، إذ لا ينطبق هذا الحكم على أولئك الشعراء الذين حاولوا استحداث أوزان جديدة، أو لم يتقيدوا بما تقيد به العرب من مطالع القصائد، أو لم يحكموا عقولهم الهادئة المتزنة فيما ينظمونه من شعر، إذن فالقدم أو الحداثة لا يصلحان أبداً مقياساً نحكم بهما على هذا الشاعر بأنه كلاسيكي، أو غير كلاسيكي. وفي رأيي أن شاعراً مثل ابن زيدون أو مثل أبي نواس، أو مثل ابن دراج، أو أبي العتاهية، لا يمكن أن نطلق عليهم كلاسيكيين لاعتبارات فنية، فشعر الشعراء الثلاثة الأول أقرب إلى الرومانتيكية، والرابع لم يتقيد بأوزان العروض في بعض الأحيان.
على أن أدبنا العربي الحديث ظفر بمجموعة طيبة من الشعراء الكلاسيكيين، ويأتي في مقدمة هؤلاء من مصر: محمود سامي البارودي، وأحمد شوقي، وإسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وعزيز أباظة، ومن العراق: محمد مهدي الجواهري، ومحمد رضا الشبيبي، ومعروف الرُّصافي، وعبدالمحسن الكاظمي. ومن سورية: شفيق جبري، وخير الدين الزركلي، ومن بلادنا: محمد بن عثيمين، وأحمد بن إبراهيم الغزاوي، وعبدالله بن خميس.
وتعد مسرحيات شوقي الشعرية، ومن بعدها مسرحيات عزيز أباظة، تقليداً أصيلاً للكلاسيكيين الأوائل، إلا أن تلك المسرحيات الشعرية إنما تكتب الآن للقراءة فقط دون التمثيل على خشبة المسرح، نظراً لسمو لغة الشعر عن أذهان الكثير من المشاهدين، ونظراً لما يقيد به الشعر المسرحية من قيود يمنعها من الحركة والتنويع والاتساع في عرض المشاهد.
والمجال لا يتسع لإيراد أمثلة شعرية كلاسيكية، ومن أراد الاطلاع على نماذج منها فليرجع إلي شعر أي شاعر من هؤلاء الشعراء الذين سبق ذكرهم آنفاً.

المصادر:






الهوامش
1 ـ محاكاة الأقدمين، وأول من أخذ بها الشاعر الفرنسي رونسار. 2 ـ الاعتماد على الصنعة والإلهام معاً في الأدب والفن، لأن اعتماد الأديب على الموهبة وحدها يحرمه من الأصالة الفنية التي لا تتوافر إلا بالبحث المضني في أغوار النفس. 3 ـ الاعتراف بسلطان العقل الواعي، الهادئ المتزن الذي يكبح الغرائز والعواطف الثائرة. 4 ـ إلتزام الحيدة في محاكاة الطبيعة، وإنطاق أبطال المسرحيات بما يدور في خواطرهم وعقولهم. 5 ـ الاتجاه إلى الأدب الجماعي الإنساني، وعدم اشتغال الأديب بأحاسيسه الخاصة ومشاعره الذاتية. 6 ـ جودة الصياغة اللغوية، والحرص على فخامة الأسلوب وجزالته من غير تكلف، ولا زخرفة. 1 ـ التراجيديا: وهي المسرحية الجادة النبيلة التي تثير الشفقة والخوف، وأسلوبها سام رفيع، وشخصياتها من الملوك والأمراء، وعند اليونانيين القدامى كانت شخصياتها من الآلهة، وأنصاف الآلهة كما يزعمون. 2 ـ الكوميديا: وهي مسرحية هزلية تثير الضحك توضع للتسلية، أو للنقد السياسي والاجتماعي، أو لتصوير العيوب النفسية والاجتماعية ومحاولة إصلاحها، وشخصياتها تؤخذ ـ غالباً ـ من عامة الشعب. 1 ـ الأدب ومذاهبه، للدكتور محمد مندور: 39 ـ 53. 2 ـ معالم النقد الأدبي، للدكتور عبدالرحمن عثمان : 152 ـ 162. 3 ـ الإسلامية والمذاهب الأدبية، للدكتور نجيب الكيلاني: 109. 4 ـ تاريخ الأدب العربي، لأحمد حسن الزيات، ص 217، الحاشية: 3. 5 ـ نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، للدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا، ص: 26 ـ 32. 1 . مجلة اليمامة ، العدد: 268 ، الجمعة : 3/8/1393هـ = 31/8/1973م، (اليمامة الثقافية) ، ص: 16ـ17 .





الرومانســية






التعريف :

● الرومانسية أو الرومانتيكية مذهب(*) أدبي يهتم بالنفس الإنسانية وما تزخر به من عواطف ومشاعر وأخيلة أياً كانت طبيعة صاحبها مؤمناً أو ملحداً، مع فصل الأدب عن الأخلاق(*). ولذا يتصف هذا المذهب بالسهولة في التعبير والتفكير، وإطلاق النفس على سجيتها، والاستجابة لأهوائها. وهو مذهب متحرر من قيود العقل(*) والواقعية اللذين نجدهما لدى المذهب الكلاسيكي الأدبي، وقد زخرت بتيارات لا دينية وغير أخلاقية.

- ويحتوي هذا المذهب على جميع تيارات الفكر التي سادت في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وأوائل القرن التاسع عشر.

- والرومانسية أصل كلمتها من : رومانس romance باللغة الإنجليزية ومعناها قصة أو رواية تتضمن مغامرات عاطفية وخيالية ولا تخضع للرغبة العقلية المتجردة ولا تعتمد الأسلوب الكلاسيكي المتأنق وتعظم الخيال المجنح وتسعى للانطلاق والهروب من الواقع المرير، ولهذا يقول بول فاليري: "لا بد أن يكون المرء غير متزن العقل إذا حاول تعريف الرومانسية".

التأسيس وأبرز الشخصيات:

● بدأت الرومانسية في فرنسا عندما قدّم الباحث الفرنسي عام 1776م ترجمة لمسرحيات شكسبير إلى الفرنسية، واستخدم الرومانسية كمصطلح في النقد الأدبي.

● ويعد الناقد الألماني فريدريك شليجل أول من وضع الرومانسية كنقيض للكلاسيكية.

● ثم تبلورت الرومانسية كمذهب أدبي، وبدأ الناس يدركون معناها الحقيقي التجديدي وثورتها ضد الكلاسيكية.

● وترجع الرومانسية الإنكليزية إلى عام 1711م ولكن على شكل فلسفة فكرية.. ونضجت الرومانسية الإنكليزية على يد توماس جراي وويليام بليك.

● ولا شك أن الثورة(*) الفرنسية 1798م هي أحد العوامل الكبرى التي كانت باعثاً ونتيجة في آن واحد للفكر الرومانسي المتحرر والمتمرد على أوضاع كثيرة ، أهمها الكنيسة(*) وسطوتها والواقع الفرنسي وما فيه.

● وفي إيطاليا ارتبط الأدب بالسياسة عام 1815م وأصبح اصطلاح رومانسي في الأدب يعني ليبراليا (أي: حراً أو حرية) في السياسة.

● ومن أبرز المفكرين والأدباء الذين اعتنقوا الرومانسية:

- المفكر والأديب الفرنسي جان جاك روسو 1712 – 1788م ويعد رائد الرومانسية الحديثة.

- الكاتب الفرنسي شاتو بريان 1768 – 1848م ويعد من رواد المذهب الذين ثاروا على الأدب اليوناني القائم على تعدد الآلهة.

- مجموعة من الشعراء الإنكليز، امتازوا بالعاطفة الجياشة والذاتية والغموض رغم أنهم تغنوا بجمال الطبيعة وهم : توماس جراي 1716 – 1771م ووليم بليك 1757 – 1927م وشيلي 1762 – 1822م كيتش 1795 – 1821م وبايرون 1788 – 1824م.

- الشاعر الألماني جوته 1749 – 1832م مؤلف رواية آلام فرتر عام 1782م وفاوست التي تظهر الصراع بين الإنسان والشيطان.

- الشاعر الألماني شيلر 1759 – 1805م ويعد أيضاً من رواد المذهب(*).

- الشاعر الفرنسي بودلير 1821 – 1867م الذي اتخذ المذهب الرومانسي في عصره شكل الإلحاد(*) بالدين(*).

الأفكار والمعتقدات :

● لقد كانت الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية، وهذا ما نراه واضحاً من خلال أفكارها ومبادئها وأساليبها التي قد لا تكون واحدة عند جميع الرومانسيين، ويمكن إجمال هذه الأفكار والمباديء فيما يلي:

- الذاتية أو الفردية: وتعد من أهم مبادىء الرومانسية ، وتتضمن الذاتية عواطف الحزن والكآبة والأمل، وأحياناً الثورة على المجتمع. فضلاً عن التحرر من قيود العقل والواقعية والتحليق في رحاب الخيال والصور والأحلام.

التركيز على التلقائية والعفوية في التعبير الأدبي، لذلك لا تهتم الرمانسية بالأسلوب المتأنق، والألفاظ اللغوية القوية الجزلة.

تنزع بشدة إلى الثورة وتتعلق بالمطلق واللامحدود.

- الحرية الفردية أمر مقدس لدى الرومانسية، لذلك نجد من الرومانسيين من هو شديد التدين مثل: شاتوبريان ونجد منهم شديد الإلحاد مثل شيلي. ولكن معظمهم يتعالى على الأديان والمعتقدات والشرائع التي يعدها قيوداً.

- الاهتمام بالطبيعة(*)، والدعوة بالرجوع إليها حيث فيها الصفاء والفطرة السليمة، وإليها دعا روسو.

- فصل الأدب عن الأخلاق، فليس من الضروري أن يكون الأديب الفذ فذ الخلق. ولا أن يكون الأدب الرائع خاضعاً للقوانين الخلقية.

- الإبداع(*) والابتكار القائمان على إظهار أسرار الحياة من صميم عمل الأديب، وذلك خلافاً لما ذهب إليه أرسطو من أن عمل الأديب محاكاة الحياة وتصويرها.

- الاهتمام بالمسرح لأنه هو الذي يطلق الأخيلة المثيرة التي تؤدي إلى جيشان العاطفة وهيجانها.

- الاهتمام بالآداب الشعبية والقومية، والاهتمام باللون المحلي الذي يطبع الأديب بطابعه، وخاصة في الأعمال القصصية والمسرحية.

الجذور الفكرية العقائدية:

● تعد الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية المتشددة في قواعدها العقلية والأدبية، وكذلك ثورة ضد العقائد اليونانية المبنية على تعدد الآلهة(*)… ومن جذور هذه الثورة ظهور التيارات الفلسفية التي تدعو إلى التحرر من القيود العقلية والدينية والاجتماعية. فضلاً عن اضطراب الأحوال السياسية في أوروبا بعد الثورة(*) الفرنسية الداعية إلى الحرية(*) والمساواة وما يتبع ذلك من صراع على المستعمرات، وحروب داخلية.. كل هذه الأمور تركت الإنسان الأوروبي قلقاً حزيناً متشائماً، فانتشر فيه مرض العصر، وهو الإحساس بالكآبة والإحباط ومحاولة الهروب من الواقع، وكان من نتيجة ذلك ظهور اتجاهات متعددة في الرومانسية، إذ توغلت في العقيدة والأخلاق(*) والفلسفة(*) والتاريخ والفنون الجميلة.

- ودخلت الرومانسية في الفلسفة وتجلت في نظرية الإنسان الأعلى (السوبرمان) عند نيتشة 1844 – 1900م ونظرية الوثبة الحيوية عند برغسون 1859 – 1941م.

● الرومانسية الجديدة:

● انحسرت الرومانسية في مطلع القرن العشرين عندما أعلن النقاد الفرنسيون هجومهم عليها – وذلك لأنها تسلب الإنسان عقله ومنطقه – وهاجموا روسو الذي نادى بالعودة إلى الطبيعة(*). وقالوا: لا خير في عاطفة وخيال لا يحكمهما العقل(*) المفكر والذكاء الإنساني والحكمة الواعية والإرادة المدركة.

وكان من نتيجة ذلك نشوء الرومانسية الجديدة ودعوتها إلى الربط بين العاطفة التلقائية والإرادة الواعية في وحدة فكرية وعاطفية، ومن ثم نشأت الرومانسية الجديدة حاملة معها أكثر المعتقدات القديمة للرومانسية.

الانتشار ومواقع النفوذ:

● تعد فرنسا موطن المذهب(*) الرومانسي، ومنها انتقل إلى ألمانيا ومنها إلى إنكلترا وإيطاليا.

ويتضح مما سبق:

أن الرومانسية أو الرومانتيكية مذهب أدبي يقول أنصاره أنه يهدف إلى سبر أغوار النفس البشرية واستظهار ما تزخر به من عواطف ومشاعر وأحاسيس وأخيلة، للتعبير من خلال الذاتية عن عواطف الحزن والأسى والكآبة والألم والأمل، ومن خلال العفوية الخالية من تأنق الأسلوب وجزالة اللفظ ودقة التراكيب اللغوية، مع الاهتمام بالطبيعة وضرورة الرجوع إليها، وفصل الأخلاق(*) عن الأدب، والاهتمام بالآداب الشعبية.

وقد اعتنق كثير من الحداثيين الرومانسية بل عدها بعضهم أحد اتجاهات الحداثة.

● تعقيب :
ومن وجهة النظر الإسلامية فإن أي تيار أدبي لا بد أن يكون ملتزماً بالدين(*) والأخلاق كجزء من العقيدة، وإذا كانت ملازمة الحزن والتعبير عنه لها سلبيات كثيرة، فإن الإسلام يتطلب من معتنقيه مواجهة الظروف التي يتعرضون لها بشجاعة والتسليم بقضاء الله وتلمس الأسباب للخروج من الأزمات دون يأس أو إحباط، وكل إنسان مسئول عن تصرفاته ومحاسب عليها بين يدي الله، طالما كان يملك أهلية التصرف، أما المكره فهو معذور وتسقط عنه الأوزار فيما يرتكبه قسراً، ولكنه لا يعذر في التعبير الحر عما ينافي العقيدة ويتعارض معها.

---------------------------------------------------------------
مراجع للتوسع :
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا – ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض.
- مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر/ نشر دار الشعاع – الكويت.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة.
- الأدب المقارن ، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت.
- المدخل إلى النقد الحديث، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة: 1959م.
- الرومانتيية، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة : 1955م.
- الأدب المقارن ، ماريوس فرنسوا غويار – (سلسلة زدني علماً).
- المذاهب الأدبية الكبرى، فيليب فان تيغيمة (سلسلة زدني علما).

المراجع الأجنبية:
- Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le ****e. Paris 1949.
- Lanson: Histoire de La Litterature Francaise. Paris. 1960.
- De Segur (Nicola): Histoire de la litterature Europieenne, Paris, 1959.




نص استهلالي: ورد في كتاب (في الأدب والنقد) للدكتور محمد مندور (1907/......) ما يأتي:''....ونقصد بالمذاهب الأدبية من الناحية النظرية المذاهب التي وضع أصولها الشعراء والكتّاب أو النقّاد وبيّنوا الأصول النظرية التي تقوم عليها .... وذلك لأنّ الحقيقة التاريخية هي أنّ المذاهب الأدبية حالات نفسية عامّة ولّدتها حوادث التاريخ وملابسات الحياة في العصور المختلفة, فجاء الشعراء والكتّاب و النقاد فوضعوا للتعبير عن هذه الحالات النفسية أصولا وقواعد يتكون من مجموعها المذهب . أو ثاروا على هذه القواعد والأصول لكي يتحرّروا منها وبذلك خلقوا مذهبا جديدا ". فما هي أهم

هذه المذاهب ؟ وما هي آثارها المباشرة على الأدب العربي ؟

المذهـب الكلاسيكـي Le Classicisme
1- تعريف المذهب
أ- لغــة:المذهب مصدر للفعل ذهب , فنقول: ذهب ذهابا وذهوبا ومذهبا, في المسألة إلى كذا؛ أي رأى فيها ذلك الرأي ؛ ونقول تمذهب فلان بالمذهب :اتبعه . والمذهب جمعه مذاهب وهو المعتقد و الطريقة والأصل,مثل مذاهب الإسلام الأربعة:المذهب الحنفي و الشافعي و الحنبلي والمالكي , لذا نقول: ذهب في الدين منها : رأى فيها رأيا.
ب- إصطلاحا:هي تلك الاتجاهات والمسارات الفنية والنفسية العامة التي تسببت في وجودها حوادث تاريخية وظروف حياتية عامة في العصور السالفة ،واتفق الأدباء والنقاد فوضعوا أصولا وقواعد للتعبير عن هذه الحالات النفسية ،فالمذاهب تيارات فكرية وفنية واجتماعية تعاونت الآداب العالمية على انتشارها وعكس كل مذهب روح العصر الذي نشأ فيه .
2- تعريف المذهب الكلاسيكي "الاتباعي"
أ- لغــة: كلمة- كلاسيكية- من حيث الأصل اللغوي مأخوذة من كلمة classis التي كانت تدل على معنى وحدة الأسطول ، ثم استعملت بمعنى وحدة دراسية أو فصل دراسي ، ثم أصبحت تطلق على مذهب أدبي محدد الصفات والخصائص وقيل :"إنها من اللفظة اللاتينية((classicus))" وتطلق على الطبقة العليا في المجتمع حيث كان المجتمع في أوربا ينقسم إلى 6 طبقات أعلاها طبقة الكلاسيك .
ب- اصطلاحا:هو مذهب أدبي يتمسك بالأصول القديمة الموروثة عن الأدب اليوناني القديم ، ويحرص على المحافظة على الأصول اللغوية السليمة في رتابة وعناية بالغتين باعتماد نظرية المحاكاة .
3- نشأة الكلاسيكية
ليس غريبا أن تكون الكلاسيكية الأسرع ظهورا وانكشافا من المذاهب الأخرى ،وسبب ذلك ميل الخلف على السجية إلى السلف. وارتباطهم بما ألفوا عليه آباءهم .فنشأت الكلاسيكية في أوربا بعد حركة البعث العلمي renaissance التي ظهرت خلال القرن 15م، بعد سقوط القسطنطينية سنة1453 على يد الأتراك تحت قيادة – محمد الفاتح – إذ رحل أدباء وعلماء القسطنطينية (بيزنطة) وهم يحملون معهم المخطوطات اللاتينية القديمة إلى إيطاليا ثم سرعان ما انتشر هذا المذهب بفرنسا .
وقد ظهرت الكلاسيكية تلبية للظروف الفكرية التي عاش في كنفها الأدب الأوربي في القرنين 17م و 18م حيث كان للنزعة العقلية سلطان واسع على الإبداع الأدبي.
4- تطور الكلاسيكية وخصائصها
تعتمد الكلاسيكية على النزعة العقلية التي قادها" ديكارت " في الفلسفة و"بوالو" في النقد ، ذلك أن العقل هو الذي يقود القلب والخيال ويكبح جماحهما .
إن الكلاسيكية تستجيب لحاجات الطبقة الأرستقراطية وتعبر عن الحالات النفسية التي كانت سائدة في القرن 15م .وهي تقديس إبداع القدامى خاصة ما أبدعه اليونان واللاتين ، وتمثل جماعة البيلياد la pleiadesالتي يتزعمها رونسار(1524-1585م) بمساعدة دي بيليه (1522-1560م) وترى هذه الجماعة أنه يجب على الأدباء الناشئين أن يتمرسوا بشعر قدماء اليونان واللاتين من أجل بلوغ الإبداع الحقيقي . يلتزم الكلاسيكيون بمحاكاة القدامى في إطار من الاهتمام المطلق والصارم بأصولهم وقواعدهم ،وعلى هذا نجدهم يقتبسون موضوعاتهم من التاريخ القديم ، فانتشر بذلك الشعر المسرحي واختفت النزعة الذاتية .
لقد وضع الأديب الفرنسي – بوالو – أسس الكلاسيكية في كتابه "فن الشعر " سنة 1648م وبذلك يكون قد أعلن عن نضج الكلاسيكية .
يحرص الكلاسيكيون على تناول الجانب الباطني في الإنسان ؛ أي يغوصون في دواخل النفس الإنسانية ، من ذلك حين يتناول – موليير – (1622-1673) في مسرحيته " البخيل " ظاهرة البخل فإنه يحاول من خلالها الكشف عن أعماق نفسية البخيل .
إن الكلاسيكية وإن كانت تقدس العقل فإنها لا تسمح بوجود العواطف الإنسانية إلا تحت قيادة العقل فهي تحرص كل الحرص على جودة الصياغة اللغوية والفصاحة في التعبير لأن هذا الأدب عرف بأنه أدب الصنعة .ومن أهم خصائص الكلاسيكية الغربية:
- الاعتماد على القديم من شعر القدماء كالرومان والإغريق في الحرص على تقليدهم .
- تعظيم العقل : فهم يرون أن الأديب يعتمد على العقل الواعي المتزن والمتميز بالاعتدال في التفكير لذا وجب عليه الابتعاد عن العواطف الذاتية .
- الحرص على جودة الصياغة اللغوية وفصاحة التعبير .
- تقيّد أعمالهم وإنتاجهم الأدبي بقانون الوحدات الثلاث لاعتقادهم أن المسرحية إذا تعددت مواضيعها وامتدت أحداثها عبر الزمن الطويل وتنوعت أماكنها تصدع بناؤها وتفككت عناصرها .
5- أثر الكلاسيكية الغربية في الأدب العربي
إن تأثير المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث محدود؛ حيث اقتصر على الشعر المسرحي ؛ وذلك عندما اتصل كتاب المسرح العربي بالمسرح الفرنسي الكلاسيكي وفي مقدمة هؤلاء أمير الشعراء -أحمد شوقي - من مصر والأديب - مارون النقاش- من لبنان . وتتمثل في الأعمال العربية الأدبية الكلاسيكية في بعض الترجمات التي قام بها مارون النقاش الذي ترجم أعمالا للأديب الفرنسي – موليير – كمسرحيتي (البخيل) و(الثري النبيل) . كما قام أيضا- سليم النقاش - بترجمة مسرحية (هوراس) التي ألفها صاحبها –كورناي– سنة 1640 وقد ظهر هذا التأثير البسيط بصفة جلية في مسرحيات -أحمد شوقي - الذي كان قد اتصل بالأدب الفرنسي الكلاسيكي واحتك بمسرحه عند ذهابه إلى فرنسا للدراسة . ونلمح هذا التأثير في عنصر الصراع بين الحب والواجب في مسرحية (مصرع كليوباترا) إذ جعل الأديب كليوباترا ملكة مصر (67 ق.م- 30 ق.م ) تغار على وطنها ولا يهمها أن يعزلها الروم أو أن تلقى المنية في سبيل مملكتها وهي مع ذلك مهتمة بجمالها حية أو ميتة ، متمسكة بعلاقتها بأنطيوس القائد الروماني الذي خاصم قومه من أجل كليوباترا ،كما نجد في مسرحية ( قمبيز) وبطلتها نتيتاس نوعا آخر من الصراع حيث لم تستطع أن تتغلب على حقدها على قاتل أبيها الفرعون أمازيس .
وإذا كانت مسرحيات شوقي محاولة رائدة في الشعر العربي فقد تبعتها بعد ذلك محاولات أخرى ناجحة في الإتقان الفني والنضج الفكري مثل مسرحية "مصر الجديدة "لـفرج أنطون كما ظهرت فرق أخرى كانت أعمالها المسرحية متميزة .إلا أن تأثير الكلاسيكية في الأدب العربي بقي محدودا ولم تلق رواجا كبيرا لأسباب أهمها :
- اعتماد المذهب الكلاسيكي الغربي على الأدب الموضوعي بينما نجد الأدب العربي عموما أدبا عاما .
- إن المذهب الكلاسيكي وثيق الاتصال بالمسرح سواء منه اليوناني والروماني القديم أو الأوروبي الحديث وليس للعرب مسرح في عصورهم القديمة ، وحين اتصل بعض أدبائهم بالمسرح الغربي حديثا كان ذلك التأثير محدودا.
- عدم بقاء الكلاسيكية وتعميرها طويلا في أوروبا في فترة كان الاتصال فيها بين الأدب العربي والآداب الأوروبية في مرحلة الطفولة . فليس من الطبيعي أن يتأثر العرب بمذهب أدبي هجره أهله.



المذهـب الرومانسـي Le Romantisme

نص استهلالي: قال الدكتور محمد مندور في كتابه -الأدب ومذاهبه- : "...يمكن القول أنها قد كانت في جوهرها ثورة تحريرية للأدب من سيطرة الآداب اليونانية واللاتينية القديمة ومن كافة القواعد والأصول التي استنبطت من تلك الآداب " .
1- تعريف الرومانسية
أ - لغــة :الرومانسية من حيث الجذر اللغوي مشتقة من كلمة "رومانيوس" وقد أطلقت هذه الكلمة على اللغات والآداب التي تفرعت عن اللغة اللاتينية القديمة ، ويرى البعض أن "رومانس" لفظة اسبانية تدل على نوع من الصياغة الشعرية مؤلفة من مجموعة أبيات ثمانية المقاطع تكون فيها الأبيات الزوجية مشتركة في القافية والأبيات الفردية مطلقة .
ب- اصطلاحا:هي ثورة على المذهب الكلاسيكي بأصوله وقواعده وقد رفضت فيه إغراقه في الصنعة ومبالغته في تعظيم العقل وإمعانه في تمجيد العظماء والسير على منوالهم. فالرومانسية تفتح المجال واسعا للسليقة الحرة وترفض العقل وتدعم الإحساس المنطلق والشعور المتدفق والطبع الوثاب .
2- نشأتها
نشأت الرومانسية في فرنسا في أواخر القرن 18م وبلغت قمة ازدهارها في منتصف القرن 19م وقامت على أساس فلسفي هي الفلسفة العاطفية التي مثلها - جون جاك روسو- الفيلسوف الفرنسي الذي توفي سنة 1778 وعلى أساس اجتماعي وهو بروز الطبقة البورجوازية التي عبرت عنها الرومانسية مصورة حالة الكآبة والتشاؤم التي سادت تلك الفترة .
كما اتسع نطاق الرومانسية من خلال بعض الأعلام البارزين مثل الفرنسي فيكتور هيغو "1806 - 1895" إلا أن وليام شكسبير "1564-1616" يعد بحق واضع القاعدة الأولى للرومانسية الغربية في مسرحه الشهير في إنجلترا وتميزت أعماله بتحليل عواطف القلب البشري من حب وبغض . ومن رواد هذا المذهب أيضا الشاعران الإنجليزيان واردزوارث"1770-1850" وكلوريدج "1772-1834" اللذان نظما وأصدرا ديوانهما "المواويل الغنائية" وقد جعلا الإنسان بهمومه واهتماماته محورا لشعرهما في هذا الديوان وقد شهدت إنجلترا أيضا أدباء رومانسيين آخرين نالوا شهرة واسعة وتركوا بصماتهم في الأدب الإنجليزي الرومانسي منهم: وليم بلاك "1757-1827" وجامس طومسون "1700-1742" .

3- تطور الرومانسية وخصائصها
لقد شهدت الرومانسية تطورا كبيرا في إنجلترا من خلال أدباء وشعراء تركوا بصمات بارزة في الأدب الرومانسي. وقد شهدت ألمانيا نهضة في مجال الأدب الرومانسي بفضل الأديب -غوث- صاحب كتاب "آلام الشاب وارذر" وقد صدر سنة 1774م وترجم بعد ذلك إلى الإنجليزية والفرنسية سنة 1775م . وقد اعتبر في أوروبا بطل الرواية "وارذر" بطلا للرومانسية . أما عن الرومانسية بفرنسا فإنها جاءت متأخرة عن الرومانسية الإنجليزية والألمانية حيث ظهر تأثيرها خاصة في حروب نابليون بونابرت "1769-1821" واحتلاله بجيشه لعدة دول أوروبية كإيطاليا وألمانيا وإسبانيا ،ورجوع المغتربين الفرنسيين من هجرتهم إلى بلدهم فرنسا وهم محملون بأفكار ومبادئ الرومانسية .
وقد ظهر هذا التأثير بوضوح سنة 1830 بعد سفر كل من –لامارتين- "1790-1869" والأديب فيكتور هيجو -اللذان أعتبرا من أعلام الحركة الرومانسية بفرنسا- إلى بعض الدول الأوروبية ، وقد أخذ هذان الأديبان أسس المذهب الرومانسي ومبادءه وحملاها إلى فرنسا قادمين بها في رحلاتهما من ألمانيا وإنجلترا وإسبانيا . ومن أعمال فيكتور هيجو (البؤساء - وهرناني -وعمال البحر) وغيرها من الأعمال الفنية الشعرية والنثرية . وهو صاحب المقولة الشهيرة " يجب أن نخلص الشعر من الموضوعات المأخوذة من عصور غربية عنا ". وقد اهتمت الرومانسية بالعواطف الذاتية وخصت أدبها بالطبقات الوسطى والدنيا من المجتمع . لذا جاءت تعبيرا عن هذا المجتمع الجديد الذي عرفه العالم الغربي ، ومن هنا فقد سعت الرومانسية بأعمالها الأدبية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة لشعوبها .

4- أهـم خصائــص الرومانسيــــة
من أهم خصائص الرومانسية :
- بروز الذاتية في الأعمال الأدبية لأن الأدب في نظرهم أدب ذاتي وشخصي .
- اتخاذ الطبيعة مادة خاما لأعمالهم الأدبية والهروب إليها لصياغة التجارب الشعرية .
- تسعى الرومانسية إلى التعمق في أسرار الكون عن طريق تقديم الخيال وتفضيله على العقل وتقديس النزعة العاطفية إلى حد الإسراف .
- التعبير عن معاناة الضعفاء ومظاهر القلق والحزن والتفاؤل والتشاؤم . وقد طمحت إلى عالم تسوده مبادئ العدل والمساواة ، معلنين عن تعاطفهم مع الضعفاء والمحرومين ، وقد نادت الرومانسية بتحطيم القيود والقواعد المفروضة على الأدب وركزت على التلقائية والسليقة الحرة .
5- أثر الرومانسية في الأدب العربي
أشرنا أن الكلاسيكية لم يكن لها تأثير واسع في الأدب العربي الحديث . إلا أننا نجد أن الرومانسية قد أثرت تأثيرا بالغا على الأدب العربي وقد ظهرت بوادر هذا التأثير على يد المهجريين أمثال (جبران خليل جبران و إيليا أبي ماضي) وغيرهما من شعراء المهجر الذين أجادوا اللغة الإنجليزية إلى جانب لغتهم الأصلية فتمكنوا من الإطلاع على عيون الأدب الغربي عامة والأمريكي خاصة .
كما نلاحظ تعدد الترجمات العربية للمصطلح الأجنبي romonticismفيقابله " الوجدانية- الذاتية- الرومانسية- الرومانتيكية - الإبداعية - الإبتداعية ..."

أ- عوامل ظهور الرومانسية في الأدب العربي :
- تأثيرات الغرب : بدأ الاتصال بالثقافة الغربية منذ المنتصف الثاني من القرن19 م فأخذت البعثات العلمية تقصد أوروبا لتغترف من الحضارة الجديدة وعادت تحمل هذا التأثير من المثقفين العرب فتأثر معظم الشعراء بنظرائهم في الغرب وفي مقدمتهم خليل الخوري توفي سنة 1907 الذي كان على اتصال تراسلي مع –لامارتين- .
- معاناة الجيل العربي ما بين الحربين : يعزو بعض النقاد أسباب ظهور المذهب الرومانسي إلى ما عاناه الجيل العربي أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، من كبت للحريات والعواطف والقيود ومصادرة الأفكار الحرة وممارسة القمع والتعذيب فانطوى الشاعر على نفسه وانسحب إلى دنيا الأحلام متقلبا بين اليأس والأمل .
- الرغبة في التجديد : لقد ضاق الأدباء ذرعا بالموضوعات القديمة والصور التقليدية وأرادوا التحرر من القيود القديمة التي كبلت حرية الشاعر في الإبداع .
ب- مظاهر الرومانسية في الأدب العربي :
ظهرت الرومانسية في الأدب العربي على صورة مذهب نظري نقدي ثائر قبل أن يجسدها الأدباء في إنتاج فني وقد تبلور هذا الاتجاه في كتابين نقديين هما : الديوان سنة 1921 لكل من عباس محمود العقاد و إبراهيم عبد القادر المازني.
وكتاب الغربال الذي صدر سنة 1922"ميخائيل نعيمة" وتحت هذا المذهب النظري نشأت عدة تنظيمات أدبية أهمها :
1- مدرسة الديوان أو" مدرسة التجديد الذهني " : دعا إليها- العقاد والمازني - ومن شعرائها عبد الرحمان شكري وقد حملت لواء التجديد والثورة على الأدب المحافظ متأثرة بالمدرسة الرومانسية الإنجليزية وقد نهجت في كتابها "الديوان" المنهج ذاته الذي نهجته" مجموعة الكنز الذهبي"وشعارها هو بيت "عبد الرحمن شكري"في قصيدته "ضوء الفجر" :
ألا يــــا طـــائـر الفــــردو س إن الشــــعر وجــــدان .
وقد قامت هذه المدرسة على دعامتين أساسيتين هما :
• سعة ثقافة أصحابها : فقد عكفت هذه المدرسة على التراث العربي الأصيل وأعطته حقه من التحصيل والتحليل والدراسة
• الإطلاع الواسع على الأدب الغربي : لقد اهتمت هذه الجماعة بعيون الآداب الأوروبية الغربية وخاصة الأدب الإنجليزي الذي نال قسطا وافرا من الاهتمام . وقد تميزت أعمال جماعة الديوان ببعض الخصائص الفنية نجملها فيما يأتي :
* كان أدبهم إنسانيا يحمل رسالة سامية ، ويرون أنه يجب على الأديب أن يطيل التفكير في الحياة وما تحمله من قسوة وهموم .
* البعد عن الصنعة والتكلف حتى يكون الأدب مفعما بالمشاعر القوية والأحاسيس الذاتية .
* دعوتهم إلى الشعر المرسل وتعدد القافية في القصيدة على خلاف النظام القديم.
* الصدق الفني في التجربة الشعورية لأن القصيدة عندهم تنقل بصدق ما في نفس الشاعر من معان وانفعالات وأحاسيس .
2- الرابطــــة القلميــة : تمثل شعراء المهجر الشماليين وهي مدرسة قائمة بخصائصها في التعبير والتفكير . تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1920 ، برئاسة الشاعر جبران خليل جبران ومن أبرز أعضائها ميخائيل نعيمة رشيد أيوب وإيليا أبي ماضي ونسيب عريضة وغيرهما من أدباء المهجر . تتميز هذه الرابطة بدعوتها إلى التجديد ومبالغتها في ذكر الأوطان كما أنها لا تلتزم بالدقة اللغوية وقواعد الصرف والنحو .
3-جمـاعــة أبـولـو (أبولو رب الشعر والموسيقى عند اليونان ) : هي جماعة أدبية تأسست سنة 1932 دعا إليها أحمد زكي المعروف بأبي شادي ، وقد ترأسها أمير الشعراء أحمد شوقي وبوفاته في شهر أكتوبر من نفس السنة تزعمها الأديب خليل مطران ، وقد انضم إليها علي محمود طه توفي سنة 1949 والشاعر أبو القاسم الشابي توفي سنة 1934 وكذلك الأديب إبراهيم ناجي ومحمود حسن اسماعيل ، وحسن الصيرفي والتيجاني يوسف البشير .
لقد اتخذت الجماعة لنفسها مجلة فنية حملتها لسان حالها دعتها مجلة "أبولو" برئاسة الدكتور أحمد زكي (أبو شادي) وراحت تروج لشعر دي موسيه، وشيلر، وجورج ملتون ، وبودلير وغيرهم من الشعراء الأوروبيين المجددين . وهذا الشاعر أحمد شوقي يصور آلام ومعاناة عاشها إخوانه في سوريا :

بني سوريا اطرحـوا الأماني وألقـوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا بألقــاب الإمارة وهي رق
نصحت ونحن مختلفون دارا ولكــن كلنا في الهم شرق
ومن أهم خصائص هذه الجماعة : التجربة الشعرية ، الوحدة العضوية ، الانغماس في الطبيعة ، التجديد في القوالب والأوزان الشعرية .
4- جماعات أدبية أخرى :
• العصبة الأندلسيـة : ومن أبـرز شعرائهـا رشيد سليم الخوري .
• عصبة العشـــرة : // // // إلياس أبو شبكة .
• النادي الفينيقــي : // // // ميشال معلوف .
• الثالـوث الرومانسي: // // // أبو القاسم الشابي .




المذهـب الـواقعـي Le Réalisme
نص استهلالي : ورد في كتاب الأدب ومذاهبه للدكتور محمد مندور ما يلي : " إن الواقعية ليست الأخذ عن واقع الحياة وتصويره بخيره وشره كالآلة الفوتوغرافية كما أنها ليست معالجة لمشاكل المجتمع ومحاولة حلها أو التوجه نحو هذا الحل ، كما أنها ليست ضد أدب الخيال أو الأبراج العاجية ، وإنما هي فلسفة في فهم الحياة والأحياء وتفسيرهما أو هي وجهة نظر خاصة ترى الحياة من خلال منظار أسود " ويرون : " أن الشجاعة والاستهانة بالموت لو نقبنا عن حقيقتها لوجدناها يأسا من الحياة أو ضرورة لا مفر منها ، والكرم في حقيقته أثرة تأخذ مظهر المباهاة ، والمجد والخلود تكالب على الحياة وإيهام للنفس بدوامها أو استمرارها . وهكذا الأمر في كافة القيم المثالية التي نسميها قيما خيرة ، فهي ليست واقع الحياة الحقيقية وإنما الواقع هو الأثرة وما ينبعث عنها من شرور وقسوة ووحشية " .
1- تعريف الواقعية
تمثل الواقعية الجانب الواقعي من المجتمع والحياة ، فهي ترى أن الحياة كلها شر ووبال وأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا إذا كان ماكرا ومخادعا .
2- نشأتها
نشأ هذا المذهب في الثلث الثاني من القرن 19م تحت تأثير الحركة العلمية والفلسفية ونتيجة رد فعل للإفراط العاطفي الذي اتسمت به الرومانسية ؛ فقد ازدهرا معا وتجاورا . وقد عمد الواقعيون إلى تشخيص الآفات الاجتماعية وتصوير معاناة الطبقة الدنيا وبالغوا في ذلك حتى اتسم أدبهم بطابع تشاؤمي ومسحة سوداء .

يعدّ بالزاك Balzac « 1850-1799 »الرائد الأول للواقعية في فرنسا وقد خلف أكبر موسوعة في الأدب الواقعي وهي تشمل نحو 150 قصة أطلق عليها اسم الكوميديا البشرية وتمثل قطاعات مختلفة من الحياة ، كما نجد عدة أدباء آخرين من فرنسا في مجال الواقعية مثل غوستاف فلوبار"1821-1880 " وهو صاحب الأعمال الأدبية المتميّزة مثل السيدة بوفاري Bovary Madame وقصة أخرى عنوانها Salammbo وغيرهما من الأعمال الأدبية القيمة .
3- تطور الواقعية وأشهر أعلامها
أشرنا إلى نشأة الواقعية في فرنسا وريادة بالزاك في هذا المجال ، أما في إنجلترا فإننا نجد ريشار شيريدان"1751-1816 " وكذلك تشالز ديكينز "1822-1870" الذي قدم وصفا صادقا وعميقا للمجتمع الإنجليزي في رواياته التي تركت آثارا جلية في الواقعية الإنجليزية مثل (صحائف بكويك و دافيد كوبرفيلد) وكذلك (دمنى وولده) .
4- خصائص الواقعية
يرى النقاد أن الواقعية تنقسم من حيث خصائصها الفنية إلى ثلاثة اتجاهات :
*الواقعية الانتقادية : تقف موقفا انتقاديا إزاء أوضاع المجتمع فظهر هذا المذهب جليا أكثر في الأدب الفرنسي عند بالزاك وستيندال وكذلك تجلى في الأدب الروسي عند دوستويفيسكي و تولستوي "1828-1910" صاحب القصة المشهورة (حرب وسلم) وإلى جانب هؤلاء الأدباء ذاع صيت الأديب الأمريكي هيمينغواي "1898-1960" ومن رواياته " الشيخ والبحر " و " لمن تقرع الطبول " .
* الواقعية الطبيعية : لقد عملت على توثيق صلة الأدب بالحياة لتصوير الواقع الاجتماعي بمختلف أشكاله مع الاستعانة بالعلوم التجريبية العصرية وعلى هذا اعتقد الفرنسي ايميل زولا "1840-1902" أن الأديب يطبق مكتشفات (داروين) صاحب نظرية "أصل الأنواع " و(كلود بيرنارد) صاحب نظرية "الأثر الحاسم للبيئة" وبذلك نفى هذا الاعتقاد على الإنسان حرية الإرادة والاختيار، واعتبر أن أفكاره وأحاسيسه وسلوكه نتاج الجانب العضوي والمادي فيه .
* الواقعية الاشتراكية : هي واقعية جديدة طغت عليها النظرة الماركسية إلى الفن الأدبي ، وترى أن الأدب يجب أن يخدم هذه النظرة ويعبر عن الطبقة العاملة ، بالدفاع عن حقوقها ومصالحها .

- إن الواقعية الاشتراكية أفرزتها ظروف تاريخية واجتماعية معارضة للرومانسية والمثالية الطبيعية . إن الواقعية الاشتراكية تعتمد على تحليل الواقع تحليلا دقيقا ثم تقبل ما يوافقها وتطرح ما عدا ذلك . كما تؤمن الواقعية الاشتراكية أن الواقع يمكن تغييره لأن الإنسان مالك لمصيره لذا باستطاعته أن يستعمل هذه الظروف لصالحه في تغيير الواقع ومن ثمّ تغييره لنفسه .
وهذه الفكرة تعتبر من صميم النظرية الاشتراكية فقد قال زعيمها ماركس : " الإنسان يعمل في الطبيعة الخارجية ويغيرها ، وفي الوقت نفسه يغير طبيعته ويطور الملكات الكامنة فيه ... " .
5- أثر الواقعية الغربية في الأدب العربي الحديث
إن الواقعية الغربية بنظرتها المتشائمة لم تستطع فرض نفسها على الأدب العربي الحديث ، فقد رسم أدبنا نهجا خاصا به استوحاه من الواقع العربي بمشكلاته الاجتماعية وقضاياه السياسية ، وإن كان بعض الأدباء قد تأثروا في بداية الأمر بالواقعيين الغربيين ومن هؤلاء "محمود تيمور" الذي تأثر بالواقعية الفرنسية حيث كانت أعماله القصصية لوحات لأوضاع اجتماعية غلب عليها شيء من التخيل .
أما الواقعية الحقيقية في أدبنا العربي الحديث فقد تجلت عند الدكتور طه حسين في كتابه المعذبون في الأرض وقد عبر عن رفضه لمظاهر الحرمان والفقر مطالبا بالعدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية للفرد . وخير ما أثمرته الواقعية في أدبنا ما كتبه "توفيق الحكيم" في روايته (يوميات نائب في الأرياف) سنة 1937 قدم وصفا دقيقا لحياة الفلاحين في الريف المصري مستعرضا مظاهر الجهل والمرض والحرمان والذل بين أجيال من الإقطاعيين المستبدين وقد ترجمت هذه الرواية إلى أغلب لغات العالم وبذلك بلغ مرتبة سامية في سلم الأدب العالمي .
كما ظهرت الواقعية في أدبنا في أعمال "يوسف إدريس" في روايته(الحرام) التي نالت رواجا واسعا وترجمت إلى لغات عالمية كثيرة . كما نلمح الواقعية عند الأديب "عبد الرحمان الشرقاوي" في روايته "الأرض" وكذلك الأديب "يحي حقي" في مجموعته القصصية (ماء وطين) أما الواقعية في الأدب الجزائري فقد تجلت في الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية التي تناولت الحياة الجزائرية عامة والريفية بوجه خاص ونجد ذلك في رواية (ابن الفقير) لـ "مولود فرعون" إذ صور فيها نشأته المعذبة ، كما وصف أيضا حياة الفلاحين البائسة ومعاناتهم اليومية ، فالفلاح يقضي في حقل الإقطاعي قرابة ست عشرة ساعة يوميا فهو يخرج من كوخه قبل بزوغ الفجر ولا يعود إليه إلا بعد غروب الشمس ويقول في ذلك : " يسكنون بيوتا بدائية فقيرة ، تتسلق قمما مرتفعة يعلو كل منها الآخر ، وكأنها عظام عمود فقري هائل لحيوان رهيب من حيوانات مل قبل التاريخ ... " .
كما صور الأديب الجزائري هذه الواقعية المؤلمة بكل صدق وإيمان نظرا لتجاربه في الحياة ومعاناته اليومية ، فهو صورة لهذا المجتمع المتألم من نير عبودية الاستعمار وسياسته الاستيطانية والاستعبادية وهذا ما نجده في رواية "محمد ذيب" (الحريق) الذي عبر قائلا : "لقد استولوا على كل شيء ، إنهم يريدون أن يصبحوا سادة أيضا ، لقد جعلوا من واجبهم الحقد علينا.وهاهم أولاء ينتزعون كل يوم قطعة من لحمنا ، فيبقى مكانها جرح عميق لتسيل من حياتنا ... " .
كما نجد الشعر قد صور واقع الحياة الاجتماعية لهذا الشعب وهذا "محمد الأمين العمودي" يقول :
نفسي تريد العلا والدهر يعكسها بالقهر والزجر إن الدهر ظلاّم
أبكي إذا اشتد إرزام الحوادث بي وللحوادث مثل الرعـد ارزام
إن حل عام جديـد قمـت أسأله قل لي : بماذا أتيت أيها العام؟
إني وإن حط سوء الحظ منزلتي وقد علا شرفـي بالظلم أقوام

كما نجد الأديب "محمد الصالح خبشاش" يعبر عن واقع المرأة الجزائرية المؤلم داعيا إلى تربيتها وتعليمها قائلا :
تركـوك بين عبـاءة وشقـاء مكؤوبـة في الليلـة الليلاء
دفنوك من قبل الممـات وحبذا لو مـت قبـل تفاقـم الأدواء
مسجونـة مزجـورة محرومة محفوفـة بمـلاءة سـوداء
وإلى جانب هذين الشاعرين هناك شعراء آخرون ، لم يقلّ شعرهم أهمية ولا مكانة في وصف الواقع الجزائري المزري نذكر منهم "محمد العيد آل خليفة ، الشيخ إبراهيم أبي اليقضان ..."


المذهـب الرمـزي LeSymbolisme

نص استهلالي : يقول جورج صيدح : "إن الرمز هو غير اللغز فاللغز لا يفهم ولا يوحي ، أما الرمز فأنت تفهم إيماءته أضعاف ما تفهم من كلمته ... والإغراق في الإيهام يسد منافذ الجو ، ويخلق أمام القارئ فراغا لا يستحث الفكر ولا يوقظ الشعور"
ويقول الدكتور حامد حقي داود : " ... هذا الرمز والغموض هو ما أشار إليه النقاد العرب القدامى كقول بن سنان الخفّاش : أفخر الشعر ما غمض عنك فلم يعطك إلا بعض ما طلب منه " .
1- تعريف الرمزية
أ- لغـة : يعود أصل الكلمة إلى عصور قديمة لا يعرف مداها التاريخي ولكنها موحدة المعنى لدى الشعوب القديمة فهي عند اليونانيين تدل على قطعة الفخار أو الخزف تقدم إلى الزائر الغريب علامة على حسن الضيافة .
وعند العرب شرح المعجم اللغوي لسان العرب لابن منظور الرمز بحركات تقوم بها العينان والشفتان لتؤدي معنى خفيا لا يؤدى تأديته باللفظ الصريح .
ب- اصطلاحا : المدرسة الرمزية حركة أدبية ظهرت في النصف الأخير من القرن 19م اعتمدت الرمز لغة والموسيقى إيقاعا والجمال غاية ومحورا .
والرمز هنا معناه الإيحاء أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها في دلالتها الوضعية ، بحيث تتولد المشاعر عن طريق الآثار النفسية لا عن طريق التسمية والتصريح .
2- نشأتها
ظهرت الرمزية في النصف الثاني من القرن 19م وقد اعتمدت في أصولها الفلسفية على "مثالية أفلاطون" ومنظّرو الرمزية يشيرون إلى أن هذه الحركة تأثرت في نشأتها بالحركة الدينية والأسطورية التي قامت في تلك الحقبة ، كما لا يخلو الأدب الرمزي من تأثيرات ومقدمات فلسفية رصدت دوافعه ومن الفلاسفة الذين كتبوا ومهدوا للرمزية كانط المؤثر المباشر، وهربرت سبنسر الإنجليزي مؤسس الفلسفة التطورية .
وإذا ما استندنا إلى مثالية أفلاطون فإن الرمزية تنكر الأشياء الخارجية المحسوسة ، ونراها في الحقيقة رمزا للحقائق المثالية البعيدة عن عالمنا المحسوس .
3- تطور الرمزية وأشهر أعلامها
من حيث الإطار الإعلامي الفعلي فإن نشأة الرمزية في الأدب الغربي الحديث يعود إلى سنة 1886م عندما أصدر "مورياس" رسالة أدبية تتضمن تعريفا مفصلا بهذه المدرسة واعتبرت هذه الرسالة بمثابة أول منشور للرمزية وقد صدر هذا البيان في الملحق الإداري لجريدة "الفيغارو" الفرنسية حيث قدم تعريفا بالمذهب الجديد وحدد ممثليه ورواده وهم شارل بودلار "1821-1867" وهو شاعر وكاتب فرنسي ولد عاش بباريس من مؤلفاته "زهور الشرles fleurs du mal /" وله مجموعة شعرية تعبيرية وترجم قصص لـ"ادغار آلامبو" ، ويعد بودلار الرائد الأول للرمزية في فرنسا و "ملارميه" المنظر الحقيقي الذي وهب الشعر معنى الغموض والأسرار الخارقة التي لا توصف أما الثالث فهو "فرلين" لأنه كسر قواعد الشعر المألوفة إلى نوع جديد هو الشعر الحر .
بعد ذلك بأسابيع ظهرت مجلة الرمزي lesymboliste في أربع أعداد وقد أوضحت كثيرا من قواعد الرمزية ورسخت اتجاهاتها . ومن أبرز رواد الرمزية خارج فرنسا ويليام بلاك ، ويليام بيتلرياتس من ايرلندا وريزماريار يلكه وإلكسندر بلوك من روسيا أيضا وتوماس ستريس إليوت من أمريكا إلا أنه يحمل الجنسية الإنجليزية خاصة في مجموعته الشعرية المسماة "الأرض الخراب the wasteland " .
يرى الرمزيون أن اللغة لا قيمة لها في ألفاظها إلا ما تثيره هذه الألفاظ من الصور الذهنية التي تلقيناها من الخارج وعلى هذا الأساس تصبح اللغة وسيلة للإيحاء ، كما يرى الرمزيون أن الأدب يسعى إلى نشر الصورة الفنية ونقل خيال الكاتب إلى القارئ كما اهتم أصحاب المذهب الرمزي بالإيقاع الموسيقي في شعرهم ويرون أن الموسيقى وحدها هي التي توقظ في السامع أو القارئ مشاعره العاطفية التي تهز نفسه .
4- خصائص الرمزية
من أهم خصائص المذهب الرمزي نذكر ما يأتي :
* انتفاء الواقع والتحري عن الروح في قلبه : فالرمزية اعتبرت الواقع الهادي زائفا في الدلالة على الحقيقة وإنه قناع يسترها، ذلك أن الشاعر إذا ما رنا إلى البحر فإنه لا يذكر زرقته وموجه الهادر وإنما يتخذ البحر مادة للتأمل ، إنه يرنو إلى ميتافيزيقية البحر من حيث غاياته وغاية الإنسان والوجود فيتحول الإنسان البحر والبحر الإنسان كما يقول بودلار :
أيها الإنسان الحرّ
ستحبّ البحر
البحر مرآة
* الغموض : يشكل الغموض العمود الفقري للأدب الرمزي والمقصود بالغموض ما يخيّم على القطعة الأدبية فتصبح مقتصرة على ذوي الاحساسات الفنية المرهفة ، فالرمزيون يكتفون بالإشارة إلى الحالة النفسية الغامضة بوسائل رمزية .
* الإيحاء : إذا كانت الكلاسيكية تنقل المعاني عن طريق العقل والرومانسية عن طريق الانفعال "العاطفة" فإن الرمزيين قد اهتموا بنوع آخر من هذه المشاركة الوجدانية ما بين الكاتب والقارئ تقوم على نقل حالات نفسية من الكاتب إلى القارئ وهو الإيحاء ومن هذه الكلمات الموحية : "الضوء الخافت- التموج- الألوان الهاربة-الأنغام- الغروب-الرحيل ... " كما أنهم يقربون بين الصفات المتباعدة (السكون المقمر-الضوء الباكي-الشمس المرة المذاق-القمر الشرس) . كما اهتموا بالألوان من ذلك أن "رامبو" قد جعل لكل لون معنى :
اللون الأحمر يرمز إلى الحركة والحياة الصاخبة والقتال والثورة والغضب والأعاصير .
اللون الأخضر يرمز إلى السكون والطبيعة والانطلاق وفكرة المستحيل والخلاص من عالم المادة .
اللون الأزرق يرمز إلى العالم الذي لا يعرف الحدود وفيه انطلاق إلى ما وراء المادة الكونية .
اللون الأصفر لون المرض والشعور بالحزن والضيق والتبرم بالحياة .
اللون الأبيض يمثل الطهر المثالي وهدوء السكينة ويرمز إلى الفراغ والجمود .
اللون البنفسجي لون الرؤى الصوفية .
* النغمة الموسيقية : الرمزية في نظر "فاليري" هي :" نية عدد من عائلات الشعراء في أن ينهلوا من الموسيقى" فالموسيقى لا تقرر أفكارا بل تعبر تعبيرا نغميا عما يشعر به الفرد ، وتنتقل هذه المشاعر من المؤلف والعازف إلى المستمع وهذا "بودلار" في ديوانه (أزهار الشر) يكتب مقطوعة صغيرة عنوانها الموسيقى صور فيها الأثر العميق الذي تحدثه الموسيقى :
تأخذني الموسيقى غالبا مثل بحر
نحو نجمتي الشاحبة
تحت سقف ضبابي أو أثير واسع
أرفع الشراع
صدري إلى الأمام ورئتاي منفوختان
كالشراع
ويقول "فرلين " في الموسيقى في قصيدته الفن الشعري : عليك بالموسيقى قبل كل شيء قم بالموسيقى أولا وأخيرا
وليكن شعرك مجنحا
حتى لا يحسّ أنه منطلق من الروح عابرا نحو سماوات أخرى

* تراسل الحواس : فاللمس والشم والسمع والبصر وسائل تعبير متداخلة ومتبادلة فبعضها ينوب عن بعضها الآخر في التأثير النفسي كوصف أحد الرمزيين للون السماء بقوله : "وكأن لون السماء في نعومة اللؤلؤ" وكقصيدة بودلار الشهيرة مراسلات التي يقول فيها :
ثمة عطور ندية كجسد الأطفال
عذبة كآلة موسيقية
خضراء كالمروج
وهكذا شاهد الشاعر لون الاخضرار في العطر وسمع نغم المزمار ولامسه في جسد الأطفال .
* الرمزية أدب الصفوة : فهم لا يحفلون بسواد الشعب ويتوجهون إلى الصفوة بحيث يغدو فهم الأدب الرمزي مقصورا على الذين تمكنوا من بعض العلوم الإنسانية كعلم النفس الجماعي الذي شرحه كل من "يونغ" و"أدلر" وعلم التحليل النفسي الذي اكتشفه وعرفه العالم النمساوي "فرويد" .
* الإيمان بالصنعة دون الإلهام : وفي ذلك يقول فاليري : "إذا آمن الشاعر بالوحي قتل الإبداع " .
* اللجوء إلى الأساطير : وذلك عندما يصرفون موضوعات إنسانية لها علاقة مباشرة بالفلسفة أو الأخلاق .
وعليه انقسمت الرمزية إلى ثلاثة اتجاهات نجملها فيما يأتي :
- الرمزية اللغوية : وعملها نقل الصورة اللغوية من نفس إلى أخرى ، ويرى أصحاب هذا الاتجاه وعلى رأسهم "شارل بودلار" أن معطيات الحواس متداخلة أي أن كافة الحواس تستطيع أن تولّد وقعا نفسيا واحدا ، وأن جزء منها ينوب عن الآخر في التأثير النفسي ، ويتضح هذا في وصف أحد الكتاب سماء مغطاة بالسحب البيضاء حيث يقول : "وكأن لون السماء في نعومة اللؤلؤ" .
- الرمزية الغيبية : وتهتم بطريقة إدراك العالم الخارجي وبالوجود الذهني الذي ينحصر فيه ويترأس هذا الاتجاه الفرنسي "ستيفان مالارميه " .
- الرمزية الباطنية : وهي تسعى إلى اكتشاف العقل الباطن وعالم اللاوعي " اللاشعور"

كما ذهب البعض إلى تقديم أقسام أخرى للرمزية مثل :
أ‌- الرمزية الشعرية : ويظهر هذا الاتجاه في الشعر الغنائي والشعر التمثيلي حيث تسعى إلى إحداث حالة نفسية خاصة، والأداة الأولى عنده للفعل الشعري هي "الكلمة" لتصبح واقعا ملموسا تلونها حروفها الصوتية وتصنع فيها الحياة حروفها الساكنة ، فالعمل الأول للشاعر عندهم هو إعطاء معنى أكثر صفاء للكلمات .
ب‌- الرمزية الموضوعية : حيث يلجأ الأدباء إلى معالجة المشاكل الإنسانية والأخلاقية بواسطة الخيال وبذلك تكون بعيدة عن مشاكل الواقع الحياتي ، فهي ترمي إلى تجسيد الأفكار لإيضاح الحقائق الفلسفية والأخلاقية .
5- أثر المذهب الرمزي في الأدب العربي الحديث
كان للترجمة التي قام بها عدد من الأدباء ، ولا سيما تلك التي قامت بنشرها مجلات عربية مشهورة مثل : المقتطف والمكشوف والرسالة والأديب ... أثر واضح في نقل الآداب الغربية التي أخذت بأساليب المدارس الأدبية .
وقد مهد لهذه الترجمات الإطلاع المباشر على اللغات الأوروبية والأمريكية إثر الهجرات التي قام بها عدد من اللبنانيين والسورية إلى بلاد الغرب ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية .
لقد لقيت الرمزية اهتماما من الشعراء العرب وانتشرت على أوسع نطاق . ولم يكن ظهور الرمزية في أدبنا خاضعا لنفس الظروف التي نشأت في كنفها الرمزية في الأدب الغربي .

ومن مظاهر ذلك الرمزية الجزئية لـ جبران خليل جبران خاصة في قصيدته "المواكب" التي اعتمدت في بعض صورها على تراسل الحواس كما في قوله :
هل تحممـت بعطـر وتنشـفـت بنـور
وشربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير

وفيه انتقال الحس اللمسي "الاستحمام" مكان الحس الشمي "العطر" والحس البصري "النور" مكان الحس اللمسي "التنشف" والحس الذوقي "الشرب" مكان الحس البصري . وهذا لا يحقق لجبران رمزية كلية .
لقد أجمع الدارسون لرمزية الأدب العربي أن "أديب مظهر" توفي 1928 أول شاعر في العربية أدخل شرارة الرمزية الحقيقية إلى اللغة العربية مع قصيدته المسماة (نشيد السكون) وكان يقدّر له أن يبرز إلا أن الموت عاجله وهو في السادسة والعشرين من عمره كما برز الشاعر اللبناني سعيد عقل "1818-1916" مؤسس صحيفة (البرق) وقد قتلته الأتراك نتيجة مواقفه السياسية المتشددة ، وهو من أوائل الأدباء العرب نقلا للرمزية الغربية . كما يرى أن الشعر يجب ألا يخبر بل يؤمن ويوحي ويلمّح وأصرّ على الإدراك اللامنطقي والحدسي للعالم ، كما اعتبر أن الشعر موسيقى قبل أن يكون فنا فكريا . ومن الرمزيين أيضا: (يوسف غصّوب ، جورج صيدح ، إيليا أبو ماضي) . وبعد سنة 1950 شاعت في الشعر العربي حركة جديدة تنتمي إلى الرمزية من أبرز أعلامها : من العراق (بدر شاكر السيّاب ، عبد الوهاب البياتي ، سعدي يوسف ، نازك الملائكة ) ومن لبنان (خليل الحاوي ، يوسف الخال ، أدونيس) ومن مصر (صلاح عبد الصبور) .



شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت