الأربعاء، 24 ديسمبر 2025

سيناريو جديد لمقاعد السلام في اليمن: ماذا لو انضم الحوثيون إلى مجلس القيادة الرئاسي؟

عاد الجدل حول توسيع عضوية مجلس القيادة الرئاسي في اليمن إلى الواجهة في ظل الجمود السياسي والحرب الطويلة الأمد. ومن بين السيناريوهات التي بدأ يتداولها محللون ومراقبون، تبرز إمكانية إدخال ممثلين عن جماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى هيكل المجلس، بوصفها خطوة سياسية غير مألوفة لكنها قد تُحدث تحولًا جوهريًا في خريطة الصراع اليمني.

وفق هذا السيناريو، يتم إضافة مقعدين جديدين إلى مجلس القيادة الرئاسي، مخصصين لشخصيات تمثل سلطة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ولا يهدف هذا الطرح إلى حلّ أو إضعاف الحكومة الأمر الواقع في صنعاء، بقدر ما يسعى إلى الاعتراف بواقع النفوذ على الأرض وفتح أفق أوسع للتنسيق الوطني.

هذا النموذج من شأنه أن يكرّس ازدواجية مؤسسية منظّمة. إذ تستمر سلطة الحوثيين في إدارة الشؤون اليومية في شمال اليمن، بينما يعمل مجلس القيادة الرئاسي كمظلّة سياسية جامعة تمثل اليمن بشكل جماعي في قضايا السيادة والدبلوماسية ومستقبل الدولة.

وفي حال تحقّق هذا الترتيب، سيصبح مجلس القيادة أقرب في طبيعته إلى آليات شبيهة بمجلس التعاون الخليجي، أو حتى إلى نماذج الحكم الخليجية المرنة، مع فارق جوهري يتمثل في أن المجلس سيجمع سلطات أمر واقع، لا دولًا ذات سيادة مكتملة. فكل طرف يحتفظ بإقليمه وقوته، لكنه يشارك في طاولة واحدة لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.

الهدف الأساسي من هذا المقترح هو نزع الطابع الوجودي عن الصراع. فطالما يُنظر إلى الحوثيين باعتبارهم طرفًا يجب هزيمته بالكامل، ستظل الحرب مرشحة للاستمرار. أما منحهم مقاعد في مجلس القيادة، فينقل الصراع من ميدان المعركة إلى الفضاء السياسي.

أحد المكاسب المباشرة لهذا المسار يتمثل في خلق قناة تواصل دائمة. فالحوار اليمني ظل طوال السنوات الماضية مرهونًا بوساطات خارجية، سواء عبر الأمم المتحدة أو قوى إقليمية. أما مجلس قيادة شامل، فيتيح أن يكون الحوار نابعًا من داخل البنية السياسية اليمنية نفسها.

ومن أكثر القضايا حساسية في هذا السياق مسألة الشرعية الدولية. فإذا أصبح ممثلو الحوثيين أعضاء رسميين في مجلس القيادة، فسيكون بإمكانهم من الناحية التقنية التحدث في المحافل الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، باسم دولة اليمن. وهو ما يضع حدًا لمفارقة طويلة الأمد، حيث تسيطر قوة على العاصمة دون أن تمتلك صوتًا رسميًا على الساحة الدولية.

وبالنسبة للمجتمع الدولي، قد يوفر هذا النموذج قدرًا من الوضوح. فبدل التعامل مع حكومتين متنافستين تنفي كل منهما الأخرى، سيكون هناك كيان جماعي واحد يعترف بتعدّد مراكز السلطة داخل اليمن.

غير أن السؤال الجوهري يبقى: هل سيقبل الحوثيون بذلك؟ فمن وجهة نظرهم، قد يُنظر إلى عضوية مجلس القيادة باعتبارها ترقية سياسية دون التخلي عن السيطرة العسكرية. وفي المقابل، قد تُفسَّر المشاركة على أنها اعتراف ضمني بهيكل سياسي طالما اعتبروه امتدادًا للتدخل الخارجي.

كما سيحسب الحوثيون الكلفة والرمزية السياسية. فقد بنوا خطابهم على أنهم سلطة ثورية تقف خارج منظومة الدولة التقليدية. والجلوس في مجلس القيادة يعني القبول بإطار الدولة الذي لطالما انتقدوه.

وفي الجهة المقابلة، ستواجه هذه الفكرة رفضًا واسعًا داخل مجلس القيادة وحلفائه. فإدخال الحوثيين يعني الاعتراف بهم كجزء شرعي من الدولة، وهو أمر بالغ الصعوبة بالنسبة لقوى فقدت أراضيها ومواردها وآلاف من أبنائها في الحرب.

مع ذلك، يرى بعض المحللين أن هذا السيناريو لا يهدف إلى مصالحة شاملة بقدر ما يسعى إلى إدارة الصراع. فمجلس قيادة جامع لن يحل كل الإشكالات، لكنه قد يجمّد الحرب واسعة النطاق ويفتح باب التسويات التدريجية.

وإذا كُتب لهذا النموذج النجاح، فقد يتحول مجلس القيادة إلى منصة تنسيق بين مراكز قوى متنافسة، على غرار توافقات النخب في دول الخليج، حيث تُدار الخلافات ضمن خطوط حمراء مشتركة حفاظًا على الاستقرار.

كما قد يسهم هذا الترتيب في الحد من مزيد من التفكك. فمن دون إطار وطني جامع، يظل اليمن مهددًا بالتقسيم إلى كيانات صغيرة دائمة. وقد يكون مجلس قيادة يضم الحوثيين آخر رمز ممكن للوحدة.

لكن مخاطر الفشل تظل كبيرة. ففي حال غياب آليات واضحة لتقاسم الصلاحيات والسلطة، قد يتحول المجلس إلى ساحة فيتو دائم، ما يعقّد عملية اتخاذ القرار ويعمّق الشكوك المتبادلة.

وسيلعب الفاعلون الإقليميون دورًا حاسمًا في هذا المسار. فقد ترى السعودية في هذا الطرح مخرجًا مشرفًا من حرب طويلة ومكلفة، بينما ستنظر إيران إلى مدى صون مصالح الحوثيين ونفوذهم.

أما بالنسبة للأمم المتحدة، فينسجم هذا السيناريو مع مقاربة واقعية سياسية بدأت تعترف بالفاعلين الأمر الواقع بوصفهم جزءًا من الحل لا مجرد مشكلة.

في المحصلة، فإن إضافة مقاعد للحوثيين في مجلس القيادة الرئاسي لا تعكس مثالية وحدوية بقدر ما تمثل اعترافًا بواقع اليمن اليوم. فالبلاد لم تعد موحدة بالكامل، لكنها لم تنقسم نهائيًا بعد.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سيؤدي هذا الطرح إلى تعزيز الوحدة أم إلى تجميد الصراع فقط؟ لكن وسط حالة الانسداد الكامل، يقدّم هذا السيناريو شيئًا نادرًا في الأزمة اليمنية: طريقًا وسطًا لم يُغلق بعد بالكامل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت